بغداد ــ زيد الزبيدي
الحكومة العراقية باتت فاقدة لنصف عدد أعضائها تقريباً وتفتقد تمثيل السنة، والبرلمان بات بغالبية طفيفة معارضاً لوزارة نوري المالكي، والتقارير التي تشير إلى انعدام الرضى الأميركي والفرنسي والسعودي عن سياساته كثيرة. فما الذي يمنع إذاً سقوط الحكومة واستبدالها بطاقم جديد؟


رغم الضربات المتتالية التي أصابت الحكومة العراقية منذ أشهر، يمكن القول إنّ فريق نوري المالكي سيبقى حاكماً في بغداد حتّى إشعار آخر، ليس بفعل قوّة التحالف الذي أتى به إلى السلطة وتعرّض أخيراً لتصدّعات في عموده الفقري، بل بسبب عجز الأطراف المعارضة للاتفاق على برنامج سياسي موحّد، ما يقلّل من فرص نجاحها في تشكيل جبهة معارضة موحّدة باتت قادرة عددياً على حجب الثقة عن الحكومة في مجلس النواب.
وبعد انسحاب عدد كبير من الكتل النيابية من «الائتلاف العراقي الموحّد»، الذي كان التحالف الأكبر بعد انتخابات عام 2006، وبعد استقالة 16 وزيراً من مجلس الوزراء، يقف المالكي أمام تحدٍّ هو الأخطر منذ ترؤّسه الحكومة، نظراً لاحتمال اتفاق النواب المعارضين له، والذين يكاد يبلغ عددهم 142 نائباً (في حال استقالة نواب حزب الدعوة ـــــ تنظيم العراق)، في مقابل 131 فقط للموالاة، مع الإشارة إلى الدور الكبير الذي سيؤدّيه في هذه الحالة النواب الـ 12 المستقلّون.
ويشير بعض المراقبين إلى أنّ المسؤولين الأميركيين سيُبقون على المالكي في منصبه، نظراً لانعدام بديل «قوي» يمكن الاعتماد عليه في دفع العملية السياسية قدماً. أمّا عراقياً، فسيبقى في الحكومة نظراً لعوامل الفرقة التي تمنع على المعارضين الاتفاق على برنامج موحّد.
وكشفت النائبة عن «القائمة الوطنية العراقية» التي يتزعّمها إياد علاوي، صفية السهيل، عن وجود صعوبات كبيرة أمام تشكيل كتلة برلمانية جديدة تمثّل غالبية برلمانية بعد انسحاب «الكتلة الصدرية» من «الائتلاف العراقي الموحّد» يوم السبت الماضي.
وقالت، في تصريح صحافي أمس: «إنّ سبب الصعوبة في تشكيل كتلة جديدة، تضمّ الصدريين والفضيلة وجبهة التوافق والقائمة العراقية والجبهة العراقية للحوار الوطني، وتمثّل غالبية برلمانية، يعود إلى الاختلاف الكبير بين هذه المكوّنات في الكثير من الثوابت الأساسية»، التي «تعود إلى نقاط سياسية داخلية وأخرى تتعلّق بالسياسة الخارجية للدولة العراقية».
وتفصّل السهيل الكلام على البرنامج الداخلي المختَلَف عليه، مشيرة إلى أنّ التيار الصدري «يرفض رفضاً قاطعاً التحاور مع البعثيين، أو الحوار مع الأميركيين، بينما يوجد آخرون يريدون هذا الأمر، كما أن هناك اختلافاً في مسألة النظرة إلى الميليشيات والإرهاب والعلاقة مع جيران العراق، وخصوصاً إيران والسعودية، وقانون مجالس المحافظات والفيدرالية، وقانون النفط وتوزيع الثروة...».
وتوضح السهيل أن السيناريو المتوقَّع هو أن تنشأ كتلتان شيعيتان، تتمثّل الأولى في التيار الصدري وحزب الفضيلة وحزب الدعوة ـــــ تنظيم العراق من جهة، وحزب الدعوة (جناح رئيس الحكومة السابق إبراهيم الجعفري)، ومن جهة ثانية كتلة تضمّ المجلس الإسلامي الأعلى في العراق وحزب الدعوة (جناح المالكي)، وبعض المستقلّين، وستكون هاتان الكتلتان متساويتين في عدد الأصوات داخل الندوة البرلمانية».
أما عضو «القائمة العراقية» أسامة النجيفي فاتهم، من جهته، إيران بالوقوف أمام قيام أية جبهة مضادة للتحالف الرباعي، الذي أُلِّف أخيراً لدعم الحكومة، ويُعيد السبب في ذلك إلى رغبة طهران بالإبقاء على حليفها الحاكم في بغداد.
في المقابل، توقّع النائب عن التحالف الكردستاني محمود عثمان أن يكون لتشكيل تحالفات جديدة في البلاد، أثر كبير في تغيير الخريطة السياسية. ورأى أنّ «الصدريين، عندما أكّدوا أنهم لا ينوون إطاحة المالكي، فهذا يعني أنه لا تزال لديهم الثقة به، لكن انسحابهم أثّر سلباً على موقف الحكومة». وكشف عن حقيقة وجود انشقاقات أخرى في الائتلاف العراقي الموحّد ستظهر قريباً، «إذ إن حزب الدعوة ـــــ المقر العام نفسه، انشقّ الى قسمين، الأول تابع إلى الجعفري والثاني محسوب على المالكي».
لكنّ عثمان تحدث، في الوقت نفسه، عن إمكان حدوث انشقاقات أخرى في الكتل البرلمانية المعارضة، متوقّعاً أن يطال هذا الانشقاق «جبهة التوافق» «التي يشوبها تناقض كبير بين قادتها، وخصوصاً بين نائب الرئيس طارق الهاشمي وخلف العليان وعدنان الدليمي».
ومن جهته، عبّر المستشار السياسي لحزب الفضيلة نديم الجابري عن أمله في أن تنجح الحوارات الجارية بين القائمة العراقية وجبهة الحوار وجبهة التوافق وأطراف أخرى لها عدد قليل من المقاعد في البرلمان، مشيراً إلى أنّ هذه المفاوضات قطعت مرحلة «لكننا لم نصل حتى الآن إلى نهاية الشوط معهم». وكرّر موقف حزبه الداعي إلى الخروج بمشروع وطني «لا يقوم على أساس إعادة صياغة المشروع الطائفي الذي ألحق الضرر بالعراق».
وأكّد الجابري أنه لا يوجد أي مانع لدى حزبه في تشكيل تحالف «مع أي طائفة أو قومية عراقية»، طارحاً اسم حزبه إلى جانب التيار الصدري كرأس حربة مشروع إعادة تركيب الخريطة السياسية العراقية، عازياً السبب في ذلك الى أنهما «ينبثقان من تيار واحد»، وأن «الخلاف الذي بقي بينهما لفترة من الزمن لم يلغ فرص التعاون».
أما الأمين العام لمنظمة أنصار الدعوة في العراق (القريب من الجعفري) مازن مكية فوصف من جهته الانشقاقات الحزبية الكثيرة بأنها «خطوة رشيدة على طريق تحريك العملية السياسية بما يحقق المصلحة الوطنية العليا ويجسد حالة الانتقال إلى عهد جديد طال انتظاره». وأشار إلى أن «حلّ التكتلات التي بنيت على أسس طائفية وعرقية هو السبيل الأمثل لتقويم مسار العملية السياسية وصيانتها من الانهيار، وهو الإجراء المطلوب لبناء قاعدة سياسية سليمة قادرة على تحقيق المطالب الوطنية والنهوض بالواقع العراقي على مختلف المستويات».
بدوره، اتهم القيادي في منظمة «بدر»، أحد تنظيمات المجلس الأعلى الإسلامي، ضياء الدين الفياض، التيار الصدري بأنه لم يكن فعالاً، وأن «الائتلاف الموحد» لم يستفد من وجوده، مقللاً من تأثير هذا الانسحاب على تماسك الائتلاف. وقال إن «أعضاء التيار الصدري كانوا منسحبين أصلاً، وإن لم يعلنوا ذلك»، مشيراً إلى أن «الحكومة تريد فرض القانون، وأن بعض الأطراف لا تستطيع العيش في ظلّ القانون».
ولفت الفياض إلى أن إعلان التكتل الرباعي كان يهدف إلى الوقوف في وجه المحاولات الرامية إلى سحب الثقة من حكومة المالكي، مشكّكاً بقدرة تلك المحاولات على النجاح.