رغم أنّ «الإجرام المنظّم» الذي تمارسه في العراق «الشركات الأمنية الخاصّة»، الأجنبية عموماً، والأميركية على وجه التحديد، ليس بجديد، إلا أن المجزرة التي ارتكبتها الشركة الأميركية الأكبر في هذا المجال، «بلاك ووتر»، في «ساحة النسور» في بغداد أوّل من أمس، استحوذت على صدارة اهتمامات الإعلام والسياسيين العراقيين، وخصوصاً بعد «هبّة» مفاجئة قامت بها حكومة نوري المالكي.وتضاربت المعلومات الرسمية بشأن المجزرة التي أودت بحياة 8 عراقيين مدنيين و13 جريحاً وانتهت بسحب وزارة الداخلية الرخصة من «بلاك ووتر»؛ فمن جهة، أعلن مصدر رسمي في السفارة الأميركية تعرّض موكب دبلوماسي أميركي لهجوم غرب بغداد «ما أدّى إلى وقوع اشتباكات أدت إلى مقتل تسعة أشخاص وإصابة 15 آخرين بجروح». غير أنّ وزارة الداخلية العراقية لم تشر إلى علاقة الموكب بإطلاق النار الكثيف الذي تعرّض له المدنيون بعدما انفجرت عبوة قرب موكب الشركة الأمنية.
وقال شهود عيان أُصيبوا بالنيران الأميركية إن انفجاراً كبيراً وقع بعيداً جداً عن الموكب الأمني، وإنه لم يكن هناك أي مبرر أمني لإطلاق النيران، وإنّ أربعاً من سيارات المرتزقة قامت عندها بإغلاق الشارع بصورة كاملة «وأمروا الناس، باللغة الإنكليزية، بإخلاء المكان، وبعدها بلحظات أطلقوا النار على الجموع بصورة كثيفة ومباشرة».
وانتظرت السلطات العراقية حتى يوم أمس لتعلن وزارة داخليتها عن قرارها سحب ترخيص الشركة، التي تضمّ أكثر من 20 ألف مرتزق مدجّجين بأحدث أنواع الأسلحة ومكلّفين بتأمين «خدمات» عسكرية لا تُعهَد عادةً إلّا للجيوش النظامية. وقال المتحدّث باسم الوزارة اللواء عبد الكريم خلف «إن وزير الداخلية جواد البولاني أمر بسحب الترخيص للشركة وإحالة منفّذي الجريمة إلى القضاء العراقي ومنعها من مزاولة عملها على أرض العراق».
أما المالكي فتوعد من جهته، بحسب بيان صادر عن مكتبه الإعلامي، بمعاقبة العناصر المسؤولة عن المجزرة، وحظر شركتهم من العمل في العراق.
في هذا الوقت، قُتل أكثر من 10 عراقيين في سلسلة تفجيرات، أحدها استهدف مدينة الصدر، بينما قال الجيش الأميركي إنه قتل عشرات «الإرهابيين» من تنظيم «القاعدة».
وفي واشنطن، نفى وزير الدفاع الأميركي روبرت غيتس أن تكون بلاده احتلّت العراق عام 2003 نظراً لمطامعها في نفط هذا البلد، مشيراً إلى أنّ السبب الحقيقي وراء الغزو هو «الحاجة إلى تحقيق الاستقرار في الخليج والقضاء على القوى المعادية»، وذلك ردّاً على ما ورد في كتاب رئيس البنك المركزي الأميركي السابق، ألان غرينسبان، «عصر الاضطراب مغامرات في عالم جديد»، حول كيف أنّ احتلال العراق «يتعلّق بالنفط بصفة رئيسية».
ولفت غيتس إلى أنّه سيحثّ الرئيس جورج بوش على استخدام حق النقض الرئاسي الذي يكفله له الدستور ضدّ اقتراح سيقدّمه السيناتور الديموقراطي المعارض لاستمرار الاحتلال، جايمس ويب، يقضي بإعطاء الجنود الذين يخدمون في العراق فترة مماثلة داخل الولايات المتحدة.
وطالب الديموقراطيون أمس بخفض عدد القوات في العراق إلى ما دون 100 ألف بحلول العام المقبل، «لأن بقاءها يعزّز قوة إيران وحماس وحزب الله»، فيما حذر الجمهوريون من أن أي خطوات مبكرة في هذا الاتجاه ستؤدي إلى إبادة جماعية بحق العراقيين.
ونقلت محطة «فوكس نيوز» التلفزيونية عن رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ، الديموقراطي جو بيدن، أنه يمكن خفض عدد القوات الأميركية في العراق في نهاية عام 2008 إلى «أقل بكثير» من رقم الـ 100 ألف الذي كان تحدّث عنه غيتس.
(أ ب، أ ف ب، رويترز، د ب أ، يو بي آي)