باريس ــ بسّام الطيارة
يربط المراقبون في باريس بين «التحوّل في السياسة الفرنسية»، وبين «وعود القطيعة» التي أطلقها الرئيس نيكولا ساركوزي قبل وصوله إلى الإليزيه. ودفعت تصريحات وزير خارجيّته برنار كوشنير عن توقّع «الأسوأ» تجاه إيران بسبب ملفّها النووي أوّل من أمس، إضافة إلى التسريبات المنظمة التي تتحدث عن «الاستعداد للأسوأ بما في ذلك الحرب»، الجميع إلى الانكباب على دراسة «وعود ساركوزي بالقطيعة مع الدبلوماسية السابقة لفرنسا».
وقد سبّبت تصريحات كوشنير نوعاً من الصدمة لدى الرأي العام والأوساط السياسية. وسارع السكرتير الأوّل للحزب الاشتراكي الفرنسي فرنسوا هولاند إلى المطالبة «بمناقشة برلمانية بشأن الوضع في إيران». وقال إنّه «ينبغي طرح كل شيء على الطاولة، وينبغي على الحكومة إطلاع البرلمان» على الأمر، مشيراً إلى أنه على ساركوزي «التحدّث عن هذا الأمر أمام الفرنسيين، ومصارحتهم».
وتقول بعض المصادر المقرّبة من الحزب الاشتراكي إنّ «حديث كوشنير يذكّر بتصريحاته قبل الحرب على العراق»، التي كان من مؤيّديها، وتفسّر نوعاً ما التوافق الذي يجمع بينه وبين ساركوزي في مقاربة «مسائل الشرق الأوسط».
ويرى محلّلون أنّ معالم التوجّه الجديد تبدو واضحة في المبادرة الفرنسية في لبنان، وجولة كوشنير في الأراضي المحتلّة، وتصريحاته عن «الانفتاح على سوريا»، التي يمكن ربطها بملف التوافق الفرنسي ـــــ الأميركي، «رغم خطاب ساركوزي العام بشأن سياسة فرنسا في العالم».
كما يشير هؤلاء إلى أنّ هذا التوجه يذهب في خط معاكس لتقرير رئيس الوزراء الفرنسي السابق، هوبير فيدرين، «بشأن دور فرنسا في عصر العولمة»، والذي تسلّمه ساركوزي قبل أيام، ويحذّر فيه من «الانجرار وراء السياسة الأميركية في صراعها مع الإسلام»، ويدعو «إلى عدم التراجع عن سياسة فرنسا في العالم العربي».
ومن هنا تأتي التفسيرات الكثيرة للتناقضات التي تزيّن حديث الدبلوماسية الفرنسية عن العلاقات مع سوريا مثلاً، ويتعجّب في هذا المجال بعض الدبلوماسيين من ربط سياسة فرنسا في سوريا بالملفّ اللبناني، خلافاً لكل مواقف الدول الأوروبية الأخرى. وكشفت الأيام الأخيرة أن تصريحات كوشنير عن «الانفتاح المذهل على دمشق»، إذا تعاونت في الملف اللبناني، تأتي «استطراداً» لسياسة تتجاوز الملفّ اللبناني. ويقول في هذا الصدد، خبير في ملفات الشرق الأوسط، إنّ الدوائر الدبلوماسية الفرنسية «بدأت تتفهّم مواقف الدول العربية المعتدلة بشأن ضرورة العمل على شقّ التحالف السوري ـــــ الإيراني»، وأن ما صرّح به كوشنير مراراً في شأن أنّه «لم يحصل على شيء من دمشق»، يأتي في هذا السياق الإقليمي، لا في سياق الملفّ اللبناني.
ويستطرد المصدر نفسه بالقول، إنّ العديد من العواصم العربية القريبة من الغرب تشدّد على ضرورة «تجنيب سوريا الانغماس في صراع محتمل مع إيران»، تخفيفاً من تعبئة «الشارع العربي» جرّاء مهاجمة دولة عربية. ويفسر هذا رغبة الدبلوماسية الفرنسية بتجنّب إثارة الملف السوري خارج إطار «العلاقة مع الملفّ اللبناني»، وتأكيدها مرة أخرى على لسان الناطقة الرسمية باسكال أندرياني، «عدم امتلاك الخارجية الفرنسية لأيّ معلومات» تتعلّق بخرق الطائرات الإسرائيلية للأجواء السورية.
وفي هذا الصدد، يوضح مصدر فرنسي رفيع المستوى أنّه «مهما كانت الدوافع الإسرائيلية للقيام بهذا الخرق»، فهو يقلب رأساً على عقب الاستراتيجية الغربية التي تدعو إلى «تجنّب استفزاز سوريا في هذه المرحلة». وهو يشير إلى تقرير فيدرين مرة ثانية، وخصوصاً إلى تحذيره من أنّ الولايات المتحدة «لا تزال قادرة على وضع فرنسا أمام خيارات صعبة حتى انتهاء ولاية الرئيس جورج بوش». ويتابع أنّ التقارير التي «تأتي من واشنطن بشأن القدرة النووية السورية والتعاون مع كوريا الشمالية»، تشبه «بشكل فكاهي» ما كان يصدر بشأن العراق، حين كان كوشنير يطالب بعدم ترك أميركا تذهب لوحدها إلى الحرب.