موسكو ــ حبيب فوعاني
لا شك في أن دعوة برنار كوشنير العالم إلى الاستعداد لـ«الخيار الأسوأ»،أي الحرب ضد إيران، تتصدر جدول محادثات وزير الخارجية الفرنسي في موسكو،في ظل حديث عن إمكان أن تكون هذه الزيارة محاولة لجسّ نبض روسيا في شأن الخيارات المتوقّعة ضد طهران

حاول وزير الخارجية الفرنسي برنار كوشنير، أمس، ترطيب لهجته تجاه إيران، غداة توقعه احتمال شن حرب ضدها، معتبراً أنه «يجب بذل كل ما هو ممكن لتجنب الحرب».
واتهم الوزير الفرنسي، خلال زيارته أمس لموسكو حيث التقى نظيره الروسي سيرغي لافروف، وسائل الإعلام «بالتلاعب» في تصريحاته حول شن حرب على طهران، قائلاً «يقولون: برنار كوشنير يريد الحرب. ولكن هذا ليس صحيحاً. هذا تلاعب. أنا لا أريد الحرب، أنا أريد السلام». وأضاف «لقد طرحوا عليّ السؤال الآتي: ماذا يعني انتظار الأسوأ؟ فأجبت: الأسوأ سيكون الحرب، ولم أقل إن الأفضل سيكون الحرب».
وتابع كوشنير «يجب بذل كل جهد ممكن لتجنب الحرب.. يجب التفاوض والتفاوض والتفاوض، من دون توقف ومن دون الخوف من التراجع. نحن مستعدون للعمل على وضع عقوبات مع الدول التي تقترحها، عقوبات فنية لا تستهدف الشعب الإيراني مطلقاً».
وكان الرئيس السابق للحكومة الفرنسية دومينيك دو فيلبان قد أعلن في وقت سابق أنه لا يجوز «توجيه إشارات سيئة إلى إدارة (الرئيس الأميركي جورج) بوش» وأن دور فرنسا هو «الدفاع عن حل سلمي» في الملف الإيراني، حسبما نقلت عنه المحطة الثالثة في التلفزيون الفرنسي «فرانس 3».
وأوضح دو فيلبان «لا يجوز أن نُشجِّع إدارة بوش على القيام بما قامت به أصلاً (في العراق). لقد ارتكبت ليس فقط غلطة، ولكن خطأ، وأن فرنسا هي هنا فقط للدفاع عن السلام واقعياً بتقديم معرفتها لإيران».
أما الرد الروسي على تصريحات كوشنير فجاء سريعاً، على لسان نائب وزير الخارجية ألكسندر لوسيوكوف، الذي أكد في حديث لصحيفة «فريميا نوفوستي» الروسية أن «التدخل العسكري الأميركي في إيران سينقلب إلى كارثة، وسيوتّر الأوضاع في الشرق الأوسط، وسيحدِث ردة فعل سلبية لا تُحمد عقباها من قبل العالم الإسلامي»، مستبعداً أن تقوم الولايات المتحدة بمهاجمة إيران قبل قمة رؤساء الدول المطلة على بحر قزوين، والتي ستُعقد في طهران في 16 تشرين الأول المقبل، موضحاً «نحن مقتنعون بأنه لن يكون هناك حل عسكري للمشكلة الإيرانية».
بدوره، عبر لافروف عن «قلقه» إثر التصريحات التي أدلى بها كوشنير، وقال، في ختام لقائه مع نظيره الفرنسي في موسكو، «إن روسيا قلقة لورود تقارير عديدة تفيد بأنه يجري النظر جدياً في فرض عقوبات عسكرية على إيران»، محذراً من «الانعكاسات المحتملة» لعملية عسكرية في المنطقة، ومُذكراً بما نتج عن التدخل الأميركي في العراق. كما عارض لافروف فرض عقوبات من طرف واحد على إيران من خارج إطار الأمم المتحدة.
في هذا الوقت (أ ف ب، مهر، يو بي آي، ا ب، رويترز، د ب أ)، أعلنت الولايات المتحدة أنها تسعى لاتخاذ إجراءات دبلوماسية في الأزمة مع إيران بخصوص برنامجها النووي. وقالت المتحدثة باسم البيت الأبيض دانا بيرينو «نحن نعتقد أن ثمة حلاً دبلوماسياً».
وأضافت «نحن نعمل مع الفرنسيين وبقية (دول) الاتحاد الأوروبي لمواصلة الضغط على إيران حتى تفي بالتزاماتها بموجب قرارات مجلس الأمن».
أما المفوضية الأوروبية فقد نأت بنفسها عن تصريحات كوشنير. وقالت متحدثة باسمها في بروكسل إن «المفوضية تدعم بشكل كامل وتام مساعي (المنسق الأعلى للسياسة الخارجية والأمنية في الاتحاد الأوروبي) خافيير سولانا، للوصول إلى حل عن طريق التفاوض».
وفي بكين، علقت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية، جيانج يو، على تصريحات كوشنير بالقول «لا نوافق على استسهال اللجوء إلى التهديد باستخدام القوة في الشؤون الدولية».
من جهته، جدّد الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، في مؤتمر صحافي، التأكيد على وجوب حل أزمة الملف النووي الإيراني، وسائر المشاكل الدولية، بشكل سلمي عبر الحوار.
وفي باريس، قال دبلوماسيون أوروبيون إن فرنسا تدفع الاتحاد الأوروبي من أجل فرض عقوبات ضد إيران، على خلفية برنامجها النووي المثير للجدل.
وأوضح الدبلوماسيون أن العقوبات تستهدف الجوانب المالية والتأمينات والاعتمادات.
وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الفرنسية باسكال أندرياني إن «المحادثات حول قرار جديد متوقعة الأسبوع المقبل في نيويورك، حين يلتقي قادة العالم في اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة»، مشيراً إلى «أننا لا نريد الانتظار حتى نهاية السنة» من أجل فرض عقوبات ضد إيران، حسبما نقلت عنه وكالة «أسوشيتد برس».
إلى ذلك، نسبت شبكة «سي أن أن» الإخبارية الأميركية إلى القائد السابق للقوات الأميركية في الشرق الأوسط الجنرال جون أبي زيد تشديده على «اننا بحاجة للضغط على المجتمع الدولي بكل ما نستطيعه، وكذلك على الإيرانيين من أجل أن يكفوا عن تطوير سلاح نووي». وقال «يجب ألا نعدم أي خيار يمكن أن نملكه لمعالجة هذا الموضوع»، مضيفاً «لكن أعتقد أن الولايات المتحدة، بوجود قوتنا العسكرية الضخمة، يمكنها أن تحتوي إيران».
وفي طهران، وصف الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد التصريحات الفرنسية بأنها «للاستهلاك الإعلامي ويجب ألا تؤخذ مأخذ الجد»، مضيفاً، للصحافيين خلال زيارة للبرلمان الإيراني، إن «التصريحات الصحافية تختلف عن البيانات الحقيقية، ولذلك لا نعتبر هذه التهديدات جادة».
أماّ أمين المجلس الأعلى للأمن القومي علي لاريجاني فقد أعلن، بعد اتصال هاتفي مع سولانا أمس، أن مطلع الشهر المقبل سيكون موعداً لاستئناف المحادثات بين الجانبين، حسبما أفادت وكالة «مهر» الإيرانية للأنباء.