strong>محمد بدير
مخرج قانوني لفرض عقوبات جماعيّة على القطاع تستهدف تأليب سكّانه على «حماس»

في خطوة تعكس اليأس الإسرائيلي من إمكان التأثير على صلابة المقاومة الفلسطينية عبر الوسائل العسكرية، أعلنت تل أبيب أمس قطاع غزة «كياناً معادياً» تمهيداً لفرض عقوبات اقتصادية وخدماتية على سكانه بهدف تأليبهم على فصائل المقاومة ومحاصرة حكومة «حماس» شعبياً بعد تطويقها سياسياً.
ويفتح القرار الإسرائيلي، الذي اتخذ بالإجماع داخل المجلس الوزاري الأمني المصغر، الطريق أمام وقف إمدادات الكهرباء والوقود من جانب إسرائيل إلى القطاع بذريعة الرد على عمليات المقاومة الفلسطينية ضد الاحتلال، وفي مقدمتها إطلاق صواريخ «القسام» باتجاه المستوطنات المحيطة به.
وجاء القرار تبنياً لطلب تقدم به وزير الدفاع، إيهود باراك، الذي أعلن صراحة خلال الجلسة الحكومية أن «هدفنا حالياً هو إضعاف حماس وتعزيز سلام فياض».
ونص القرار على أن «منظمة حماس هي منظمة إرهابية سيطرت على قطاع غزة وحولته إلى منطقة معادية. هذه المنظمة تمارس نشاطاً معادياً ضد دولة إسرائيل ومواطنيها، وتشكل عنوان المسؤولية عن هذا النشاط».
وشارك في الجلسة أطقم من وزارتي القضاء والخارجية، وكذلك ممثل عن النيابة العامة العسكرية، قدموا مطالعة قانونية تفتي بمشروعية القرار والإجراءات التنفيذية المستقبلية المستندة إليه من وجهة نظر القانون الدولي. ورأى هؤلاء أن المجتمع الدولي يمكن أن يقبل بعقوبات لا تعتبر جماعية ضد كل السكان.
ويتيح القرار لجوء سلطات الاحتلال إلى قطع الكهرباء عن قطاع غزة بحجة أنها تستخدم في الورشات التي تعمل على تصنيع الصواريخ. كما يتيح قطع إمدادات الوقود باستثناء «الوقود المتعلق باحتياجات إنسانية كتشغيل مولدات خاصة للمستشفيات من أجل عدم انتهاك القانون الدولي».
وبموازاة ذلك، أشار القرار إلى الحد من مرور البضائع عبر المعابر المؤدية إلى قطاع غزة. وفي هذا الإطار، سيمنع إدخال أنابيب شبكات المياه المعدنية وبعض البضائع الأساسية التي كان يسمح بدخولها، فضلاً عن تقييد حركة عبور الأفراد.
وأكد مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي، إيهود أولمرت، أن حكومته «ستقيد واردات غزة وتخفض إمدادات الوقود والكهرباء»، لكنه لم يحدد موعداً لبدء العقوبات التي قال إنها ستطبق بعدما تدرس السلطات الإسرائيلية الجوانب القانونية والإنسانية القرار.
وانعقدت جلسة المجلس الوزاري على خلفية الهجوم الصاروخي الذي نفذته حركة «الجهاد» الإسلامي على قاعدة «زيكيم» العسكرية جنوب مدينة عسقلان وأدى إلى قتل جندي وإصابة 69 بجروح متفاوتة. وأجمع الوزراء المشاركون، وفي مقدمتهم رئيس الحكومة، على معارضتهم الشديدة لتنفيذ عملية عسكرية واسعة في غزة في «التوقيت الحالي». وربطت تقارير إعلامية إسرائيلية معارضة أولمرت بالتوتر السائد على الحدود الشمالية مع سوريا وبالتحضير للمؤتمر الدولي في واشنطن في تشرين الثاني المقبل.
ونقلت وسائل الإعلام الإسرائيلية عن باراك قوله، خلال النقاش: «لسنا بحاجة إلى تحفيز من أجل العمل في غزة، وسنصل إلى هذه المرحلة بعد أن نكون قد استنفذنا الاحتمالات القائمة، ولم يحن بعد وقت عملية واسعة في غزة». وأضاف: «يحظر الانجرار (إلى عملية كهذه) ويجب الحفاظ على برودة الأعصاب والإعداد الدقيق لكل احتمالات العملية التي سنخرج إليها عندما نكون في التوقيت المناسب، وليس من أجل تنفيس الاحتقان».
وأعلن باراك بوضوح أن «كل يوم يمر يقربنا أكثر من عملية في غزة، وسنجتمع ونبلور الأهداف وسبل التحرك عندما يحين الوقت»، مضيفاً: «لا ينبغي للوزراء أن يتنافسوا حول من يفهم أكثر كيفية إنهاء القسام».
ويعد قرار الحكومة الإسرائيلية المصغرة أمس نسخة غير منقحة عن خطة لضرب حكم «حماس» في القطاع كشفت عنها صحيفة «معاريف» أمس، وقالت إن الجيش عمل على إعدادها، بتوجيه وإشراف مباشر من باراك. وبحسب «معاريف»، فإن الخطة تشمل فرض عقوبات متدرجة تبدأ بتقنين بالكهرباء ولا تنتهي بالتضييق على حركة العبور والنقل عبر المعابر. وفيما تنص الخطة على عدم التعرض لخدمة تزويد القطاع بالمياه، فإنها تتحدث عن خفض كمية الكهرباء التي تمد بها إسرائيل القطاع إلى درجة «إيجاد وضع تكون فيه الكهرباء للمستشفيات والمرافق الحيوية فقط». أما في مجال الوقود، فتهدف الخطة إلى خلق أزمة على هذا الصعيد في غزة بحيث لا يكون متوافراً إلا لتشغيل المرافق الحيوية أيضا. كما تتضمن الخطة قيوداً على حركة الأموال باتجاه القطاع، وتضييقاً في تشغيل المعابر وتقليصاً شديداً في عدد تصريحات الزيارة التي تمنحها سلطات الاحتلال لعائلات الأسرى الفلسطينيين الموجودين في سجونها من سكان القطاع.
وأشارت «معاريف» إلى أن السياسة التي تتمخض عن هذه الخطة «مقبولة من دول عربية عديدة، وكذلك من الفلسطينيين في الضفة الغربية (في إشارة إلى رئاسة السلطة الفلسطينية)». ونقلت الصحيفة عن مصدر أمني رفيع المستوى قوله، مختصراً أهداف الخطة: «(إنها لا ترمي إلى) المس بحياة الفلسطينيين، بل بجودة هذه الحياة».
وأثار قرار المجلس الوزاري المصغر انتقادات من جانب أطراف القوس السياسي في إسرائيل. ووصف حزب «ميريتس» اليساري القرار بأنه «خطير وغبي»، فيما رأى فيه اليمين «ضريبة كلامية ديماغوجية لن تطفئ برميل البارود الغزاوي». وقال عضو الكنيست، ران كوهين، من حزب «ميريتس» إن «حكومة أولمرت ـــــ باراك متخصصة فقط في إعلانات الحرب، وهذا القرار لا يسهم شيئاً في أمن سكان غلاف غزة بل يدفع سكان القطاع إلى اليأس والإرهاب والعنف». ورأى عضو الكنيست عن حزب الليكود، يولي إدلشتاين، أن القرار أقل مما ينبغي ومتأخر أكثر مما ينبغي. وقال إن قطع الكهرباء والوقود عن القطاع كان يجب أن يحصل مع سقوط أول صاروخ «قسام».

منظمة حماس هي منظمة إرهابية سيطرت على قطاع غزة وحولته إلى منطقة معادية. هذه المنظمة تمارس نشاطاً معادياً لدولة إسرائيل ومواطنيها وتشكل عنوان المسؤولية عن هذا النشاط