بعدما بدأ الرئيس الباكستاني برويز مشرّف معركته «اليائسة» على رئاسة الجمهورية لفترة ثالثة بتأهيل وضعه القانوني بشكل يسمح له بالترشّح، انتقل حليف واشنطن إلى قمع المعارضة من خلال تنفيذ حملة اعتقالات واسعة شملت القادة الأساسيبن فيها، بحجّة أنّهم يثيرون الفوضى والاضطرابات في البلاد، ويشجعون «الإرهابيين».وكانت المعارضة الباكستانية قد باشرت التحرّك ضدّ مشرف على جميع الاتجاهات، قانونياً حيث رفعت شكاوى إلى المحكمة العليا للطعن في حقّه بالترشّح للانتخابات الرئاسية، وبرلمانياً حيث أعلن النوّاب المعارضون عزمهم تقديم استقالتهم في 29 أيلول الجاري، وشعبياً من خلال حشد التظاهرات المندّدة به في كل أنحاء البلاد.
فجاء ردّ حكومة مشرّف أوّل من أمس حازماً، عبر عنه قرارها باحتجاز رئيس حزب الرابطة الإسلامية التابع لرئيس الوزراء الأسبق نوّاز شريف، جواد هاشمي، لمدّة 30 يوماً لمنعه من إطلاق «خطابات تحريضية» في التظاهرات، والتي يمكن أن «يستغلّها المتطرّفون للتخريب والقيام بأعمال إرهابية وإثارة الفوضى».
وقال هاشمي، لوكالة «أسوشيتد برس» من داخل شقة في المجمّع البرلماني كان يحرسها 4 من عناصر الشرطة، إنّهم «يريدون أن يحكموا البلاد بالسلاح». وتابع «يظنّون أنّ الزيّ العسكري، وليس شعب باكستان، هو مصدر السلطة».
واتهم هاشمي مشرّف بقمع كل صوت للمعارضة. وقال «سنواصل النضال من أجل حقوق الشعب الباكستاني والديموقراطية وضدّ الديكتاتورية». وطالب حلفاء مشرّف الغربيين الذين يدعمونه بالضغط على «الحكومة العسكرية» لكي تسمح بتطبيق معايير الديموقراطية التي يفاخرون بها.
وقالت مصادر أمنية لم تكشف عن هويتها إنّه «تمّ اعتقال نحو 35 عنصراً من القادة الأساسيين في المعارضة وأُمر بوضعهم في الحبس الوقائي، معظمهم من حزب الرابطة الإسلامية التابع لشريف، ومن تحالف الأحزاب الإسلامية التي تعارض تحالف مشرّف مع الولايات المتحدّة»، فيما قال مصدر استخباري إنّ هذه الخطوة كانت إجراءً استباقياً لمنع المجابهة مع الحكومة وعرقلة الانتخابات. ولم يستبعد مسؤول في الشرطة القيام باعتقالات أخرى.
وقد حشدت الشرطة عناصرها أمام المجمّع البرلماني، حيث أفادت مصادر رسمية أنّه تمّ احتجاز العشرات في الداخل.
وقال القيادي في حزب جماعة العمل الإسلامي الموالي لـ«طالبان»، حفيظ حسين أحمد، إنّ «الشرطة احتجزته في مقرّ سكنه». لكنّه لم يوضّح ما إذا كان سيبقى في مكانه أو سيتم إبعاده إلى مكان آخر. وقال «هذه الحكومة ستفعل كل شيء من أجل الوصول إلى الانتخابات الرئاسية»، مضيفاً «أنّهم يستخدمون قوّة الدولة لقمع المعارضة».
أمّا القائدان الآخران اللذان احتجزا أيضاً فهما: ميا إسلام من تحالف الأحزاب الإسلامية الراديكالية ورجا ظافر الحق من حزب شريف.
ودان حزب شريف هذه الاعتقالات في اجتماعه أمس في إسلام آباد، حيث ناقش خطط عودة رئيس الوزراء الأسبق إلى البلاد. ووصف المتحدّث باسم الحزب، احسان إقبال، الذي اختبأ من الشرطة التي تسعى لاعتقاله، «قمع المعارضة» بأنّه يدلّ على «يأس مشرّف لإعادة انتخابه رئيساً للبلاد». وأضاف «سنتحدّى هذه الاعتقالات في المحكمة وسنتظاهر في الشوارع»، موضحاً أنّ «الشرطة قامت بدهم منازل 4 رجال ثم اقتادتهم إلى جهة مجهولة».
وأصرّ إقبال على أنّ «الحكومة لا يمكنها أن تمنعنا من النضال من أجل الديموقراطية بواسطة هذه التكتيكات الفاشية».
في المقابل، قال نائب وزير الاعلام الباكستاني طارق عظيم إن «إجراءات الحكومة أتت ردّاً على تهديدات قادة المعارضة بخلق حالة فوضى في العاصمة»، موضحاً أنّه تمّ إيقاف 5 أو 6 جميعهم من حركة «كل الأحزاب الديموقراطية»، ومشيراً إلى أنّه «لن يسمح لأحد بالإمساك بالقانون».
ومن المرتقب أن تستأنف المحكمة العليا الباكستانية جلساتها اليوم للاستماع إلى العرائض المقدّمة إليها من المعارضة ضدّ حقّ مشرّف في التقدّم للانتخابات الرئاسية لإعادة انتخابه لولاية ثالثة، ومن المتوقّع أن تصدر حكمها خلال أيّام. وبدا المدّعي العام مالك محمد قيّوم واثقاً من صدور حكم لمصلحة مشرّف، حين قال أمس إنّ «الحكومة لديها قضية قوية».
وطلبت الأحزاب المعارضة من القضاة التسعة، الذين يتولّون القضية، اعتبار وضع مشرّف «غير شرعي» في الحكم، ما دام يتولّى القيادة العسكرية.
كما هدّد المحامون المعارضون لمشرّف بأنّهم سيحاصرون لجنة الانتخابات لمنع الجنرال من تعبئة أوراق ترشحه يوم الخميس المقبل.
ويشكّل حزب الرابطة الإسلامية الحاكم، التابع لمشرّف، غالبية ساحقة في البرلمان، وهو أعلن دعمه للجنرال لفترة رئاسية ثالثة. وهذا ما عبّر عنه رئيس الحكومة شوكت عزيز، الذي دعا النوّاب إلى مساندة الرئيس. وأفاد بيان حكومي أوّل من أمس أنّه «في الاجتماع الحكومي يوم الجمعة الماضي، أطلع عزيز الوزراء أنّ إعادة انتخاب مشرّف ستؤدي إلى الاستقرار والتقدّم والازدهار للبلاد وتثبّت مسيرتها الديموقراطية».
(أ ب، أ ف ب، رويترز)