موسكو ــ حبيب فوعاني
تتهيّأ الأحزاب الروسيّة لخوض انتخابات مجلس «الدوما» (البرلمان) مذ أعلن سيّد الكرملين، فلاديمير بوتين، بدء التحضير لها في 4 أيلول الجاري. ويبدو أنّ المعركة ستحتدم عند مفصلين: حزب «روسيا الموحّدة» البيروقراطي الحاكم يريد المحافظة على غالبيّته البرلمانيّة، و«الشيوعي» و«روسيا العادلة» يتنافسان على المركز الثاني، والحسم بيد المواطن الروسي في 2 كانون الأوّل المقبل

عقد «الحزب الشيوعي الروسي»، برئاسة غينادي زيوغانوف، مؤتمره الثاني عشر «الطارئ»، في موسكوفسكي في محافظة موسكو أوّل من أمس، لإقرار لوائح مرشّحيه لخوض معركة انتخابات مجلس الدوما (البرلمان) الروسي، التي حُدّد الثاني من كانون الأوّل المقبل موعدها.
ويأتي المؤتمر في إطار الحملة الانتخابية، التي بدأت رسمياً في 4 أيلول الجاري، حين سارعت الأحزاب الروسية إلى عقد مؤتمراتها لتحديد استراتيجياتها في الاستحقاق. فقد أتمّ حزب «يابلوكو» بزعامة غريغوري يافلينسكي مؤتمره، بعد يوم من عقد حزبي «الخضر» و«السلام والوحدة» مؤتمريهما، وقبل يومين من مؤتمر «الحزب الليبرالي الديموقراطي الروسي»، الذي يرأسه فلاديمير جيرينوفسكي، وعشية مؤتمر حزب «روسيا العادلة» بزعامة رئيس «مجلس الاتحاد» (الشيوخ) سيرغي ميرونوف.
وستُختتم هذه المرحلة من الحملة الانتخابية بعقد المؤتمر العام لحزب «روسيا الموحّدة» الحاكم في الأوّل والثاني من تشرين الأوّل المقبل. وتنتهي بتقديم اللوائح الحزبية إلى اللجنة المركزية للانتخابات مساء 17 من الشهر نفسه. وتتميّز الانتخابات المقبلة عن انتخابات عام 2003، باستبعاد المرشّحين المستقلين من المشاركة فيها وباقتصارها على قوائم المرشّحين عن الأحزاب. وكذلك بضرورة حصول أي حزب يريد دخول البرلمان على نسبة 7 في المئة من أصوات الناخبين، فيما كان الحاجز لا يتعدى نسبة 5 في المئة في الانتخابات السابقة.
وسيتنافس على 450 مقعداً برلمانياً مرشّحون عن 15 حزباً رسمياً، هي، إضافة إلى المذكورة، «روسيا العادلة ـــ الوطن، المتقاعدون، الحياة»، و«الحزب الديموقراطي الروسي»، و«اتحاد القوى اليمينية»، و«وطنيّو روسيا»، و«الحزب الزراعي الروسي»، و«الاتحاد الشعبي»، و«القوّة المدنية»، و«العدالة الاجتماعية»، و«نهضة روسيا».
ويرى زيوغانوف أنّ الانتخابات المقبلة سيتمخّض عنها دخول 3 أحزاب فقط إلى الدوما، وهي «الشيوعي» و«روسيا الموحّدة» و«روسيا العادلة»، بينما يبقى وضع «الليبرالي الديموقراطي» غير واضح المعالم رغم قيام زعيمه، جيرينوفسكي، بـ«ضربة معلّم»، باختياره رجل الاستخبارات الروسي السابق، أندريه لوغوفوي، المتّهم بريطانياً بالضلوع في اغتيال زميله السابق ألكسندر ليتفينينكو في لندن في نهاية العام الماضي، مرشحاً ثانياً على لائحته الانتخابية بدلاً عن الرجل الثاني في الحزب ألكسي ميتروفانوف، الذي انضم إلى «روسيا العادلة».
ويأمل جيرينوفسكي من هذا التدبير، بأن يؤمّن انضمام لوغوفوي أصوات الكثيرين من الناخبين الروس، الذين سئموا من دروس الديموقراطية الغربية. بيد أن زيوغانوف يشكّ في قدرة «الليبرالي الديموقراطي» على تخطّي حاجز نسبة الأصوات الحالية، المؤهّلة لدخول البرلمان.
ويُعتبر «الشيوعي»، و«يابلوكو» اليميني المعتدل، الحزبين الحقيقيين اللذين يمتلكان أيديولوجيّة وبرنامجاً خاصّين. وقد فشل الثاني في دخول البرلمان في الانتخابات الماضية بسبب عدم اتّفاق الأحزاب الليبرالية على تنسيق أدائها، وكذلك تطرّف بعضها في موالاته للغرب، ما صبغ الحياة البرلمانية بلون باهت أوحد، وأفقدها مشاركة الجناح الليبرالي المعارض، الذي كانت في أشدّ الحاجة إليه، وجعل سيّد الكرملين، فلاديمير بوتين، يأسف لذلك. غير أنه من المستبعد أن يتمكن الحزب من تغيير وضعه الآن أيضاً.
ويعتمد «روسيا الموحّدة» على الشعبية الساحقة لبوتين وعلى الموارد الحكومية، ويُعتبر تجمعاً للبيروقراطيين مفتقداً للأيديولوجيا. ويرى الخبير في مركز موسكو لمؤسسة «كارنيغي» الأميركية، نيقولاي بيتروف، أنّ الكرملين يعلّق آماله هذه المرة على الشركات الحكومية ذات الطابع الاحتكاري التي تستطيع إيصال ممثّليها إلى البرلمان. ولدى الحزب الآن ثلثا المقاعد في الدوما، ما يشكّل الغالبيّة الدستورية البرلمانية، ويُعتبر المحظوظ الأكبر في الانتخابات المرتقبة، ما جعل زيوغانوف يعتبر أنّ «كل شيء وُضع في خدمة حزب واحد».
وسيحتدم الصراع على أصوات الناخبين بين «الشيوعي»، الذي كان يحتلّ دائماً المرتبة الثانية، و«روسيا العادلة»، الذي شكّله الصديق الشخصي لبوتين، سيرغي ميرونوف، مستعيراً شعاراته من «الشيوعي» لاستقطاب أصوات الناخبين اليساريين.
ويعتقد المحلّل الروسي، دميتري أورلوف، أن «الشيوعي» سيتقدّم على «روسيا العادلة»، وسيحصل على نسبة تتراوح بين 15 في المئة و17 في المئة من الأصوات، في مقابل نسبة تقارب الـ 14 في المئة، كحدّ أقصى، لـ«روسيا العادلة».
لكن ميرونوف يرى أنّ نتائج استطلاعات الرأي العام ووتيرة تنامي عدد أعضاء المنظّمين، توفّر الأسس للاعتقاد بأن «روسيا العادلة» قادر على احتلال المركز الثاني في الانتخابات. وذكّر بأنّ الخبراء يميلون إلى التكهّن بنجاح الأحزاب الأربعة الممثّلة حالياً في البرلمان، وهي: «روسيا الموحدة»، «روسيا العادلة»، «الشيوعي» و«الليبرالي الديموقراطي».
وأيّدته في ذلك صحيفة «غازيتا رو» الإلكترونيّة، التي نشرت في 19 أيلول الجاري استطلاعاً للرأي يُظهر أنّ «روسيا الموحّدة» سيحصل على 272 مقعداً نيابياً، و«الشيوعي» على 89 مقعداً، و«الليبرالي الديموقراطي» على 54 مقعداً، مشيرةً إلى أنّ «روسيا العادلة» سينال المرتبة الرابعة بـ 35 مقعداً نيابياً لا غير.
ويتوقّع المراقبون أن تتحوّل روسيا عاجلاً أم آجلاً إلى اعتماد نظام الحزبين، يكون أحدهما «روسيا الموحدة»، والآخر «الشيوعي»، في حال تطويعه، أو استبداله في حالة الفشل بـ«روسيا العادلة».
واختار الشيوعيّون الروس، في مؤتمرهم، زيوغانوف، والحائز جائزة نوبل في الفيزياء جوريس ألفيوروف، ورئيس «الزراعي الروسي» غير الشيوعي نيقولاي خاريطونوف، «ترويكا» رئيسة للائحتهم الانتخابية، ما اعتبره زيوغانوف «اتحاداً بين العلماء والعمّال وغير الحزبيين» ضدّ «البرجوازية والبيروقراطية والعصابات».
ويتألّف برنامج «الشيوعي» من «7 خطوات نحو الغد الكريم»، فنّدها زيوغانوف كالتالي: 1 - «تأميم فروع الاستراتيجية في الاقتصاد». 2 - «إصلاح التشريعات» التي تهدد الأمن القومي. 3- توجيه أموال التأميم إلى تحديث القطاعات الاقتصاديّة والاجتماعيّة. 4 - التحوّل إلى «سلطة الشعب والانعتاق من ضغوط الرأسمال والدعاية السوداء». 5 - ترسيخ الأمن في البلاد والقضاء على الجريمة والفساد. 6 - حصول المواطنين على التعليم والعلاج المجانيين. 7 - «كلّ السلطة للسوفيات!»، حيث سيقوم الحزب بعرض مشروع دستور جديد «يكفل نقل السلطة إلى مجالس الكادحين».