واشنطن ـ محمد سعيد
مع سعي الإدارة الأميركية إلى تعظيم قصّة نجاحها العسكري في العراق، تكشف الأيّام عن «فضائح» «يتفنّن» الاحتلال في اختراعها لقتل المدنيّين. وبعد مجازر حُديثة وبعقوبة وبغداد، كشفت صحيفة «واشنطن بوست» أمس فضيحة جديدة قائمة على ترك «طعوم» للإيقاع بالعراقيّين المدنيّين، في ما يمكن تسميته «القتل الاستباقي»


من بين جميع الوسائل «غير المشروعة» التي يستخدمها الجيش الأميركي للإيقاع بالمشتبه في انتمائهم إلى الفصائل التي تقاتله في العراق، يمكن اعتبار أسلوب «الأسلحة ـــــ الطعوم» الأخطر على الإطلاق. فهو يجسّد استراتيجية «شبه رسمية» صادرة عن قادة رفيعي المستوى في وزارة الدفاع (البنتاغون) إلى القنّاصة الأميركيّين، تقضي بترك قطع من «الطعوم» (مثل أسلاك المتفجّرات والأحزمة الناسفة ومتفجّرات بلاستيكية وذخيرة عسكريّة)، على حافّة الطرق مثلاً، ويجري قنص أي عراقي يحاول التقاطها بدم بارد، لتصوير العمليّة وكأنها استهداف لـ«متمرّدين» يحاولون زرع عبوات ناسفة أو تدبير عمليات انتحارية.
وأشارت الصحيفة الأميركية إلى أنّ اكتشاف الفضيحة المذكورة حصل نتيجة تحقيقات تجري منذ فترة بحقّ 3 قنّاصة أميركيّين متّهمين بقتل مدنيّين عراقيين، بعد زرع أدلّة جرمية في جثثهم بعد قتلهم، وإنّ هذا الأسلوب يُسمّى بـ«الطعم». وشرح رئيس طاقم القنّاصة المتّهمين، النقيب ماثيو ديدييه، تفاصيل هذه الطريقة بالقول: «إنّنا نعتمد أسلوباً يقوم على ترك جسم نعرف أنّ المتمرّدين يستعملونه لشنّ هجمات علينا، وعندما يقترب أحد من هذا الجسم ويلتقطه، يطلق القنّاص النار عليه، لأننا نفترض أنّ التقاط هذا السلاح ـــــ الطعم، الذي يكون عادة عبوات أو متفجّرات، هو بهدف استعماله لمهاجمة قوّاتنا».
وأضاف ديدييه، حسب الوثائق التي حصلت عليها الصحيفة من أفراد عائلته، إن أفراداً من مجموعة «أسيمترك وورفير» (مجموعة الحرب غير المتماثلة) التابعة للجيش، زارت وحدته في كانون الثاني الماضي، ومرّرت إليها صناديق مملوءة بالقطع المخصّصة لهذا الغرض، «من أجل إعاقة المحاولات التي تستهدف قوات التحالف، وتمنحنا اليد العليا في القتال».
وفي السياق، تقول رئيسة المعهد الوطني للقضاء العسكري، أوجين فيدال، إنّ البرنامج المذكور القائم على «الأفخاخ»، يجب أن يخضع لدراسة «دقيقة»، لأنه غالباً ما يطال مدنيّين. وهي تلفت إلى أنّه «في بلد يعيش حرباً كالعراق، إذا كان كلّ مرة يلتقط فيها المرء شيئاً على الطريق يمكن استعماله كسلاح، يصبح كلّ عراقيّ مشتبهاً فيه ومعرّضاً للقتل».
وبحسب التحقيقات، فإنّ نحو عشرة قنّاصة أميركيّين أُبلغوا بالبرنامج المذكور، وإنّ عدداً كبيراً من الجنود كانوا على علم بالأجسام التي تُستَخدَم من ضمن هذا البرنامج، لكنهم لم يعرفوا الهدف من وراء وجودها. وكتب محققو الجرائم أنهم وجدوا مواد تتعلق بهذا البرنامج في صندوق وعلبة ذخيرة في القاعدة التي ينتمي إليها القناصة.
ويأخذ كبار الضبّاط الحيطة والحذر قبل التحدّث عن هذا البرنامج. ويقول المتحدّث باسم الجيش، بول بويس، إنّ قيادته لا تناقش تفاصيل الأساليب التي تُستَخدَم في محاربة العدو، غير أنه يعترف بأنه لا توجد قواعد محدّدة تسمح بقتل مواطنين عراقيّين عبر استعمال «أسلحة زائفة»، لمحاولة إظهار العملية وكأنها مُبَرَّرة قانوناً.
وتفيد التحقيقات بأنّ القنّاصة خضعوا لضغوط كبيرة من قبل مسؤوليهم لقتل المزيد من العراقيّين، نظراً إلى أنّ الجيش الأميركي يتعرّض في بعض المناطق لخسائر فادحة في الأرواح.
وفي خضمّ التحقيقات، طافت على السطح أمثلة عديدة عن التجاوزات والجرائم الأميركية بحقّ المدنيّين العراقيين؛ فعلى سبيل المثال، اتُّهم الجندي جورج ساندوفال بوضع أسلاك متفجّرات في محفظة مواطن عراقي بعدما قتله بأمر من الرقيب مايكل هنسلي، وذلك لتصوير الجريمة وكأنها استهدفت «إرهابياً» كان يعدّ لمهاجمة الأميركيّين، بينما كان المواطن المغدور يقطع العشب في حقله، بحسب الملفات التي قُدّمت إلى المحكمة.
وكانت تقارير إعلامية قد أفادت بأن جنود الاحتلال الأميركي يتركون معهم، خلال الدوريات، سلاحاً من النوع الذي يستخدمه المقاومون العراقيون، وبأنهم يضعونه بالقرب من جثة أي مدني يقتلونه، للقول إنهم فعلوا ذلك لأنه حاول استهدافهم.