باريس ـ بسّام الطيارة
في ظلّ حالة الضعف التي تعتري الحزب الاشتراكي الفرنسي والأحزاب اليسارية بشكل عام، يُطرح اليوم سؤال جدّي عمّا إذا كانت المعارضة الحقيقية لسياسات الرئيس اليميني نيكولا ساركوزي ستأتي من اليمين الفرنسي، ومن الديغوليّين بوجه خاص، وخصوصاً أنّ الأوساط السياسية باتت ترى في جميع سياسات سيد الإليزيه، توجّهاً ليبرالياً يتناقض بشدة مع «الديغولية التاريخية» ذات الطابع الاجتماعي، بدءاً من تفكيك نظام الضمان الاجتماعي وخصخصته، وصولاً إلى طرح عودة باريس إلى قيادة حلف شمالي الأطلسي.
ولا يقتصر هذا التململ، الذي بدأ يظهر أخيراً في الإعلام من خلال انتقادات الرئيس السابق للحكومة، دومينيك دوفيلبان، لـ«خصمه السابق» سياسياً، وغريمه قضائياً في قضيّة «كلير ستريم»، بل تظهر مؤشّراته أيضاً في صفوف حزب ساركوزي «حزب التجمع الشعبي» وخصوصاً على مستوى القواعد الشعبيّة.
ومنذ صدور القرارات الأولى للعهد الجديد، والتي قدّمت «هدايا» ضرائبية إلى الأثرياء، انتفض الديغوليّون على خروج ساركوزي عن «الميثاق الاجتماعي» الذي عرفه المجتمع الفرنسي منذ عهود الجنرال شارل ديغول، الذي كان يشجّع «الضغط الضرائبي على الأثرياء» وذلك بهدف إعادة توزيع الثروات. ولم يكن يتردّد ديغول نفسه بالإشارة إلى الطبقة الغنية بتسميتهم «أكلة الجبنة»، كما كان من أشدّ المعارضين للمسّ بنظام الضمان الاجتماعي العام الذي بقي طويلاً فخراً للفرنسيّين.
ويعتبر الفرنسيّون بشكل عام، والديغوليّون بشكل خاص، أنّ ساركوزي أدخلهم منذ وصوله إلى الحكم، في دوّامة الاقتراب بصورة خطرة جداً من الالتصاق بسياسة الرئيس الأميركي جورج بوش على صعيد السياسة الخارجية، وخصوصاً أنّ خطواته الأولى في الحقل الدبلوماسي كانت انفتاحاً غير مسبوق نحو واشنطن من خلال تبنّي الطروحات الأميركية في مختلف مناطق النزاعات، ذلك أنه ورغم التعاون الأميركي ـــ الفرنسي في لبنان إبّان عهد الرئيس جاك شيراك، فإن الاختلاف كان كبيراً في معظم المناطق الأخرى.
أمّا ساركوزي، فأطلق تسمية «حماستان» على غزّة، ورفع التحفّظ التقليدي لفرنسا على قطع المساعدات الأوروبية عن سكان القطاع. وكذلك في العراق، «بلع» ساركوزي التحفّظ الذي اشتهرت فيه باريس ضدّ الحرب الأميركية، حتّى أنّ البعض يعتبر أنّه دفع بوزير خارجيّته برنار كوشنير لتقديم «عرض خدمات» لمساعدة بوش للخروج من مأزقه العراقي. أمّا في الملف الإيراني النووي، فإن «الاندفاعة الفرنسية» تخيف أوساط يمينية ويسارية في باريس، رأت في التلويح بالحرب على طهران، «خدمة لأميركا»، حتّى أنّ الوضع وصل ببعض الدبلوماسيّين أخيراً إلى التساؤل عن سبب «اندفاع ساركوزي ليحلّ محل (طوني) بلير في الانبطاح تجاه سياسات بوش؟».
ويتوقّع كثيرون أن تكون الشعرة التي ستحمل الديغوليين جذرياً ضدّ سياسة ساركوزي، هي تصريحاته الأخيرة الخاصّة بالعودة إلى حلف شمالي الأطلسي، بعد ٤١ عاماً من خروج فرنسا منه.
وفي تصريحاته الأخيرة لصحيفة «نيويورك تايمز»، أوضح ساركوزي «ظروف عودة فرنسا للانخراط بالحلف»، وربطها بشرطين: الأوّل، يذكّر بمطلب شيراك وهو تسلّم قيادة منطقة الشرق الأوسط في قيادة الحلف إلى جنرال فرنسي. والثاني هو «تحقيق تقدّم في سياسة الدفاع الأوروبية»، وهو ما دفع المعلّق الصحافي إلى وصف هذا الشرط بأنه «تجميلي يذهب في سياق ما تطالب به واشنطن»، لأنه يعني زيادة الميزانيات العسكرية في الدول الأوروبية للتخفيف عن الولايات المتحدة العبء الأكبر من ميزانية الأطلسي.