حسام كنفاني
اليوم تُتمّ انتفاضة الأقصى الثانية عامها السابع. سبع سنوات مضت على الحجر الأول والضحية الأولى والاعتراض الأولي، بعد سنوات قضاها الزعماء الفلسطينيون في أروقة المفاوضات من أوسلو إلى واي ريفر إلى كامب ديفيد إلى طابا، التي أنتجت سلطة بلا سلطة وكياناً مشوهاً للا دولة على حافة الانقسام.
بعد سبع سنوات على دخول رئيس الوزراء الإسرائيلي أرييل شارون إلى الحرم القدسي في الثامن والعشرين من أيلول 2000، ماذا بقي من هبّة الفلسطينيين؟ وكيف استُثمر شهداؤها الذين فاق عددهم خمسة آلاف فلسطيني؟
الواقع الفلسطيني الحالي كفيل بتقديم إجابة سوداوية توّجت تحركاً «مباركاً»، كان يعوّل على استثماره لاستعادة الحقوق ورفع الظلم عن الشعب الفلسطيني، فتشتتت الحقوق وكان أصحابها أشدّ ظلماً بحق أنفسهم.
لحظات كثيرة مضيئة حفلت بها السنوات السبع الماضية، أو على الأقل السنوات الخمس الأولى، قبل أن يغرق الفلسطينيون في متاهات صراعهم الداخلي؛ فمن لا يذكر جنين ومخيمها إبان عدوان السور الواقي في عام 2002، وكيف قارعت حفنة من الرجال الدبابات والطائرات الإسرائيلية. ومن لا يذكر الطفل فارس عودة ووقوفه مع حجره في مواجهة الدبابة الإسرائيلية، قبل أن يستشهد. حينها لم يفكّر هذا الطفل، والأطفال الـ970 الذين استشهدوا خلال سني الانتفاضة، إن كانوا ينتمون إلى «فتح» أو «حماس». لم تكن الايديولوجيا السياسية أو العقيدة الدينية قد ترسخت بعد في عقولهم الفتية. جلّ ما كانوا يعرفونه أن التاريخ وسياق المعاناة يؤكّدان أن الأرض محتلة وأن المقاومة سبيل مواجهة الغزاة.
كان حينها خيار مقاومة المحتل جامعاً بين الفصائل الفلسطينية، على مختلف مشاربها العقائدية. كانت للبندقية وجهة واحدة، قبل أن تتعدّد الوجهات، وتسقط البندقية في كثير من المراحل لحسابات سياسية.
خسرت الانتفاضة في سنوات، الكثير من زخمها، مثلما خسرت الكثير من قادتها؛ فصرخة الزعيم ياسر عرفات «شهيداً شهيداً..» اندثرت برحيله في ظروف مرض غامضة في عام 2004. وحكمة الزعيم الروحي لحركة «حماس» الشيخ أحمد ياسين فتتها صاروخ إسرائيلي في العام نفسه، الذي افتقدت فيه الانتفاضة أيضاً حدة القائد «الحمساوي» عبد العزيز الرنتيسي، بعدما كانت إسرائيل قد تمكنت من اغتيال الأمين العام لـ«الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين» أبو علي مصطفى. وكان لاعتقال أمين سر حركة «فتح» مروان البرغوثي كبير الأثر على «كتائب شهداء الأقصى»، الجناح العسكري للحركة.
ومع خسارة الانتفاضة لرجالاتها، بدأت دفة توجهها تميل. ولم يفلح «تحرير» قطاع غزة في صيف آب 2005 في إعادة تصويب الوجهة السياسية والعسكرية للتحرّك الفلسطيني، بل على العكس، كان مناسبة لتبلور حالة انقسامية، ترسّخت مع فوز حركة «حماس» في الانتخابات التشريعية التي جرت نهاية العام نفسه.
الانقسام لم يبق في السياسة، بل خرج إلى الشارع، وأنتج حرباً أهلية وقتلى ولاجئين ونكبة تفوق ما أحدثته إسرائيل في عام 1948. فلسطين لم تعد واحدة. السلطة باتت جزءين بحكومتين مستقلتين بقراراتهما وعطلهما الرسمية وموظفيهما ونظامهما التعليمي في لا دولة فلسطينية.
أمام الواقع المأساوي الفلسطيني، الذي لا يعكس بالتأكيد أهداف الانتفاضة ومسار أحداثها، هل من الممكن الحديث عن دخولها في عامها الثامن؟ أم أنها أتمّت في الأساس عامها السابع؟
لم يجرؤ أحد خلال السنتين الماضيتين على نعي الانتفاضة الثانية، فهي لا تزال حاضرة في الخطابات الجماهيرية والبيانات الحربية للفصائل الفلسطينية، حتى في مواجهة بعضها بعضاً. إن الانتفاضة سقطت بالرصاصة الأولى التي تواجه بها الأشقاء، وغطتها المراسيم الرئاسية والحكومية التي تساوي المقاومة بالإرهابيين، ودفنتها حملات القمع الأمنية الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة. لكن لا أحد يجرؤ على قراءة بيان النعي.