بغداد ـ الأخبار
ليست ليالي بغداد اليوم كما عرفها أهلها، فقد اختفت ملامحها أو تشوّهت، منذ بدء الاحتلال. ولم تعد هناك حياة ثقافية في عاصمة الرشيد، وانطوت معها أيّام «عزّ» اتحاد الأدباء العراقيين، كذلك الصفحات الثقافية والاجتماعية لجمعية التشكيليّين الشهيرة، وبات المسرح الخجول يفتح أبوابه لساعات معدودة وسريعة، غالباً ما تكون عند الظهيرة فقط. أمّا الحياة الاجتماعية، فباتت مقنّنة إلى أقصى الحدود، بعدما أغلقت صالات الأفراح أبوابها.
وليست حفلات الأعراس في معزل عمّا يعانيه العراق من اضطراب أوضاعه الأمنية والخدمية، التي غيّرت الأعراف والتقاليد التي كانت متّبعة تاريخياً.
وعن هذا الغياب القسري، يقول محمد جاسم: «أعدّ الآن العدّة لإقامة حفل زفافي، واقترح عليّ والدي أن يكون صباحاً لا مساءً، نظراً للظروف الأمنية التي تعيشها العاصمة. وأنا في داخلي رافض لهذه الفكرة، إلا أنّ الظروف قد تجبرني على ذلك».
بدورها، تتذمّر جنان عبد الغفور، التي كانت ترافق خطيبها وذويها في محكمة مدينة الصدر لإكمال إجراءات عقد قرانها، بالقول «إن مسألة الأمن تأخذ حيّزاً كبيراً من اهتمام عائلتي وذوي خطيبي، وكيفية إجراء حفل الزفاف وأين...؟».
وشأنها شأن مواطنها محمّد، ترفض جنان رفضاً قاطعاً فكرة تنظيم الزفاف صباحاً، لكنّها تستدرك قائلة: «لكن الظروف قد تكون أقوى من إراداتنا».
ويشير شاكر حمود إلى أنّ حفلات الزفاف الكبيرة بدأت تنحسر بشكل لافت بسبب الأوضاع الأمنية»،لافتاً إلى أنّ المسألة «بدأت تصطدم بأكثر من حاجز، بالإضافة إلى الحاجز الأمني، مثل تابوات التيارات المتزمّتة، التي لا تعترف بحفلات الزفاف، أو حتى تحرّمها».
ويلفت علي عبد الستار إلى أنّ «كثيراً من الظواهر التي كانت ترافق حفلات الأعراس قد اختفت تماماً في كثير من مناطق ومحافظات العراق. ففي السابق كانت الموسيقى الشعبية أهم سمات الزفّة، إلا أنها غابت اليوم. كما كان هناك إحياء ليوم الحنّة، الذي يسبق يوم الزفاف، بحفلة يغني فيها المطربون ويرقص فيها أصدقاء العريس، لكن أصبح ذلك الآن من الممنوعات الدينية»، ملاحظاً أنّ «كثيراً من المواطنين باتوا يتوجّهون إلى شمال العراق لإقامة حفل الزواج هناك».
أخيراً، يقول سليم جابر البهادلي إنّ كثيراً من ظواهر وطقوس الأعراس قد تغيّرت. «ففي السابق، كانت مكبّرات الصوت تصدح بالأغاني، وكان أهل العريس يقيمون حفلاً يدعون إليه كل من يعرفونهم، خلافاً لدعوات الأعراس حالياً، التي تقتصر على عدد محدود جداً من المدعوّين، بسبب الأوضاع الأمنية وخطورة انتقال المدعوّين من منطقة إلى أخرى في المدن المجزّأة».