جاءت استقالة «جبهة التوافق العراقية» من حكومة نوري المالكي أمس بمثابة «ورقة نعوة» لجزء كبير من العملية السياسية المتعثّرة أصلاً في العراق، وذلك كتتويج لمسلسل مآزق سياسية تعانيها حكومة بغداد داخلياً وأميركياً، من حيث الضغوط التي تمارسها عليها واشنطن لتسريع «المصالحة الوطنية»، وذلك قبل نحو 40 يوماً فقط من تقديم تقرير كروكر ـــــ بيترايوس الذي يتوقَّع أن يحسم مصير الاحتلال الأميركي للبلاد.أمّا ميدانياً، فقد سقط ما يزيد على 100 قتيل عراقي في تفجيرات متنقّلة، معظمها وقع في العاصمة، بينما خسرت قوات الاحتلال 6 من جنودها، 4 أميركيين في الأنبار وبغداد، وبريطانيَّين في البصرة. وأعلن الجيش الأميركي أن قواته قتلت أربعة «قادة بارزين» مرتبطين بـ«فيلق القدس» التابع للحرس الثوري الإيراني خلال عملية دهم في حي الشعلة شمال غرب بغداد أول من أمس.
وأعلنت «التوافق» أن وزراءها الخمسة وأحد نواب رئيس الحكومة، سلام الزوبعي، قدّموا استقالاتهم من مناصبهم أمس. وحمّل بيان الجبهة، الذي تلاه أحد وزرائها المستقيلين رافع العيساوي في مؤتمر صحافي في بغداد بحضور عدد من قادة الجبهة بينهم زعيمها عدنان الدليمي ونائب رئيس الجهورية طارق الهاشمي، مسؤولية القرار إلى حكومة المالكي «المستمرّة في مكابرتها، والمصرّة على موقفها، غالقة الأبواب أمام أي إصلاحات ضرورية لإنقاذ العراق».
وأكّدت الجبهة استمرارها في العملية السياسية «حتى إشعار آخر»، في إشارة إلى بقاء الهاشمي، ونواب الجبهة الـ44 في مناصبهم، محذرةً في الوقت نفسه، من «إعادة حساباتها في جدوى مشاركتها في العملية السياسية برمّتها إذا اكتشفت أنّ الأطراف السياسية «تفتقر إلى الجدية وحسّ المصلحة الوطنية والإصلاح المطلوبين».
وعن «المساعي الخيّرة التي بذلتها شخصيات سياسية مرموقة ومسؤولة في اللحظات الأخيرة لإنقاذ الموقف»، قال بيان الجبهة «إن تلك العروض لم تكن كافية وجاءت متأخّرة».
من جهته، أبقى الهاشمي باب التسوية مفتوحاً، حين قال إن «هدفنا المركزي والتاريخي هو الإصلاح»، متعهّداً أن تعيد الجبهة النظر بالانسحاب غداً إذا «نظروا بمطالبنا»، غير أنه أشار إلى أنّ «تجربتنا مع الحكومة سابقاً لم تكن ناجحة في ظل التسويف والمماطلة ولقد لُدغنا مرتين ولا يمكن تكرار ذلك».
وفي وقت لاحق، أعربت الحكومة، في بيان أصدره مكتب المالكي، عن أسفها لقرار الجبهة الانسحاب منها. وأضاف البيان إنّ الحكومة ستبقي «التواصل والحوار مع جميع الكتل بما فيها جبهة التوافق».
أمّا ردّ الفعل الأكثر واقعية، فجاء على لسان نائب رئيس الوزراء برهم صالح في تصريحات لوكالة «رويترز»، عندما وصف انسحاب «التوافق» بأنه «أخطر أزمة سياسية تواجهها حكومة المالكي منذ تشكيلها منذ 15 شهراً، ومنذ إقرار الدستور العراقي».
وأشار صالح إلى أن التحضيرات مستمرة لعقد قمة للزعماء السياسيين الأكراد والشيعة والسنة خلال الأيام القليلة المقبلة، لحل عدد من القضايا مثل تعديلات الدستور والقوانين الخاصة بالنفط والغاز واجتثاث حزب البعث والمشاركة في السلطة والحكم.
غير أنّ ردّاً سلبياً من النائب عن الائتلاف العراقي الموحّد الشيعي والمقرّب من رئيس الوزراء، سامي العسكري، سبق بيان الحكومة، ورأى أن على رئيس الوزراء إعطاء «جبهة التوافق» وقتاً لمراجعة موقفها قبل استبدالها بوزراء من كتل سنية. وذكر من هذه الكتل «القائمة العربية الوطنية» برئاسة عبد مطلك الجبوري، و«جبهة الحوار الوطني» برئاسة صالح المطلك.
ورداً على سؤال عن توقّعاته حول ما اذا كان انسحاب الجبهة سيؤثّر في ارتفاع معدل العنف في البلاد، قال «لا أعتقد أن هناك ترابطاً بين العنف ومشاركة جبهة التوافق». وأضاف إن «كثيرين راهنوا على أن مشاركة العرب السنة في العملية السياسية والبرلمان سينعكس إيجاباً، لكن شهدنا أن العنف بلغ أقصاه حين اشتركت جبهة التوافق». وتابع «لا أقول إن جبهة التوافق هي المسؤولة عن هذا العنف لكن مشاركتها او عدم مشاركتها سيان».
أمّا المتحدّث باسم البيت الأبيض، طوني سنو، فحاول التخفيف من وقع استقالة وزراء «التوافق»، معتبراً أنّ بقاء الهاشمي ووزير الدفاع السني في منصبيهما، يدلّ على أنّ المصالحة السياسية في العراق «لا تزال تسير قدماً»، وأنّ استقالة الوزراء ليست نهائية.
في هذا الوقت، أفادت وكالة أنباء الطلبة الإيرانية (إسنا) أمس أن المالكي سيقوم بزيارة لثلاثة أيام لإيران الأسبوع المقبل، وهي الثالثة من نوعها منذ تولّيه منصبه، قبل أن ينتقل إلى تركيا لمناقشة مسألة مقاتلي «حزب العمال الكردستاني» الذين يحتمون في المناطق الكردية شمال العراق. وفي هذا السياق، نفى المتحدث الرسمي باسم السفير الاميركي في بغداد ومستشار الشؤون العامة فی السفارة فيليب ريكر أن تكون الولايات المتحدة قد فتحت حواراً مع تركيا لتصفية حزب العمال الكردستاني في شمال بلاد الرافدين.
(الأخبار، أ ب، أ ف ب،
رويترز، يو بي آي)