معاريف ــ عاموس غلبوع
ثمة نشاط سياسي يقظ يجري بهدوء نسبي. في مركزه المبادرة الأميركية لعقد مؤتمر من أجل الدفع قدماً بتسوية بين إسرائيل وسلطة أبو مازن الفلسطينية في الضفة الغربية. باركت حكومة إسرائيل ذلك علناً، وأبدت حماسة ظاهرة لرغبتها في أن تشارك السعودية في المؤتمر.
إذا كانت توجد علامة فارقة في السياسة الخارجية الإسرائيلية، منذ حرب لبنان الثانية، فإنها الدور الخاص المخصص للسعودية في القضية الفلسطينية خاصة، وفي الساحة العربية «المعتدلة» عامة. العوامل الكامنة في بؤرة نهج أولمرت وليفني السياسي هي، كما يبدو، ما يأتي: الإيمان بأن السعودية تستطيع أن تمنح تأييداً و/أو غطاءً عربياً عاماً للتقدم نحو تسوية سياسية مع الفلسطينيين؛ الاعتقاد بأن «المبادرة السعودية» تشتمل على عناصر جيدة، كالتطبيع مع العالم العربي في إثر إقامة دولة فلسطينية؛ التقدير بأن إسرائيل تستطيع أن تستغل الوضع الاستراتيجي الجديد الناشئ في المنطقة، والذي تستعد فيه الدول العربية السنية «المعتدلة» لمواجهة المعسكر الشيعي برئاسة إيران، للانضمام إليها، أو على الأقل لتُنمّي معها نظام علاقات استراتيجياً خاصاً.
في هذا الإطار، يتم النظر إلى السعودية بوصفها أكبر دولة سنية تهددها إيران، وأكثر قوة عربية معتدلة مؤثرة في المنطقة. عشية التوقيع على «اتفاق مكة» (شباط 2007) بين «حماس» وأبو مازن، على إقامة حكومة وحدة فلسطينية، عُرضت السعودية، في مقالات تحليلية إسرائيلية، على أنها الدولة العربية الرائدة التي تحل محل مصر. كان إحراز الاتفاق نفسه شهادة على قوة التأثير السعودي.
لا يجوز أن نستخف بالتأثير السعودي، ومن الغباء ألا ندرك أنه يوجد للدولة التي تملك ربع احتياطي النفط العام في العالم، وهي أكبر مصدر للنفط في العالم، ما تقوله في العالم العربي، وليس فيه فقط. لكن من الواجب أن ندرك قيود السعودية، وضعفها، ومشكلتها مع إسرائيل. إن الفشل المدوي لـ«اتفاق مكة» وعدم استعداد السعودية وعدم قدرتها على منع انهياره، مثال جيد على ذلك.
في هذا الشأن دونكم ملاحظتان رئيسيتان: أولاً، قد تكون السعودية دولة «معتدلة»، لكونها موالية للولايات المتحدة، لكنها ليست أكثر من ذلك. فهي دولة إسلامية سنية من النوع المتطرف (بخلاف مصر والأردن والإمارات)، وهي لا تزال تطبق الشريعة الإسلامية، بما في ذلك قطع الرؤوس وقطع الأعضاء. وهي الدولة التي تُصَدِّر إسلامها المتطرف الى كل ركن في العالم عن طريق جمعياتها الخيرية التي تملك مالاً كثيراً. هذه الجمعيات تنفق على الجزء الأكبر من المساجد في أنحاء العالم، كما أنها تصرف أموالها أيضاً في المعاهد الدينية في الدول الغربية التي تُنمِّي كراهية إسرائيل والشعب اليهودي.
بناءً على ذلك، ستكون السعودية آخر من تعترف بدولة إسرائيل كدولة للشعب اليهودي، وأول من تؤيد أي منظمة (حتى في أوساط عرب إسرائيل) ترفض الهوية اليهودية لدولة إسرائيل.
من نافل القول التذكير بأن السعودية هي أكبر احتياطي بشري للإرهاب الإسلامي المتطرف، وفي ضمن ذلك «القاعدة» (في السعودية 28 مليون نسمة، منهم 5.6 ملايين عامل أجنبي، جميعهم مسلمون؛ و40 في المئة من السكان تقريباً أولاد حتى سن الرابعة عشرة، وتبلغ نسب البطالة فيها على حسب التقدير 24 في المئة).
وملاحظة ثانية، في المجال الاستراتيجي. لم تكن السعودية قط دولة رائدة في العالم العربي. كانت سياستها الخارجية دائماً تقوم على دفع «راتب حماية»، وعلى الإحجام التام عن المواجهات المكشوفة مع جاراتها؛ وهي تفضل دائماً احتضان إيران على مواجهتها، ناهيك عن أن تقوم بذلك بالتماهي مع اليهود.
وفي كل الأحوال، فإن السعودية هي «دولة» لأكثر من عشرة آلاف أمير (يزيد عددهم مع مرور الوقت) مع أسطول وسلاح جو عصريين جداً، وكل ما سيصبه الأميركيون عليهم في المستقبل، سيتبخر في لحظة الامتحان الأولى، كما حدث في مواجهة صدام حسين في 1991. ولهذا، فإن السعودية، في نهاية المطاف، دعامة هشة لإسرائيل في مجال التسويات مع الفلسطينيين، وفي المجال الاستراتيجي الإقليمي تحديداً.