موسكو ــ حبيب فوعاني
لا تزال قضية الكتاب المفتوح، الذي وجهه في 23 تموز الماضي علماء روسيا، وبينهم الحائزان جائزة نوبل للفيزياء فيتالي غينزبورغ وجوريس ألفيوروف، إلى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين حول «تغلغل الكنيسة الروسية الواسع في جميع مجالات الحياة الاجتماعية» تتفاعل، وخاصة بعدما ردت الكنيسة على أعلى مستوى لها على الرسالة المذكورة.
فقد أكّد بطريرك موسكو وسائر روسيا ألكسي الثاني السبت الماضي أنّ الكنيسة تحترم الدستور الروسي، الذي يكفل الطابع العلماني للدولة و«الكنيسة لا تتدخّل في حياة الدولة، والدولة لا تتدخل في شؤون الكنيسة»، إلّا أنّه أوضح أن علاقة الكنيسة مع المجتمع مختلفة تماماً. وقال إن «الكنيسة في بلادنا لا تستطيع الانزواء عن الشعب والمجتمع».
ولفت البطريرك، في سجاله غير المباشر مع ممثلي العلوم الدنيوية، إلى أنّ المجتمع الروسي يصبح أكثر كنسيّة، ويودّع إلى غير رجعة الإلحاد الإلزامي الغابر، ولذا فرسالة الأكاديميين ليست سوى «ترجيع للدعاية الإلحادية». كما نوّه بأنّ تعليم اللاهوت في الجامعات هو تقليد عادي في جميع أنحاء العالم. ودعا إلى عدم اعتبار تدريس أصول الثقافة الأرثوذكسية في المدارس تطاولاً من الكنيسة على المدرسة، لأنّ أصول الثقافة الأرثوذكسية ليست الشريعة المسيحية، وليست مادة لاهوتية بل ثقافية.
وكان ممثلو الكنيسة الروسية قد وجّهوا سهام نقدهم اللاذع إلى العلماء الروس. والأسرع بينهم كان نائب رئيس قسم العلاقات الخارجية الكنسية في البطريركية فسيفولود تشابلين، الذي رأى في الرسالة سعي جزء من النخبة الروسية لتقييد دور الكنيسة في المجتمع. وأكد أنّه «لا يجوز حصر الكنيسة في إطار حياة الأبرشية، ذلك ما لم تستطعه حتى السلطة السوفياتية، ولن يستطيعه الديموقراطيون المزيّفون، الذين يرون الديموقراطية على ما يبدو كفرصة قصوى لأنفسهم، ويُبقون للشعب دور القطيع المطيع».
وساند البطريركية ممثلو هذا المجتمع «المتديّن»، الذين وجهوا كتاباً مضاداً إلى السلطات. وشبّه الكاتبان الروسيّان الشهيران فالنتين راسبوتين وفاسيلي بيلوف، ولاعب الشطرنج الدولي أناتولي كاربوف وغيرهم، الأكاديميين بملحدي الثلاثينات، الذين هدموا الكنائس والمساجد الروسية، باعتبارها «بؤراً ظلامية»، وأعدموا رجال الدين. وعبّر كاتبو الرسالة عن إحساسهم بأن «سنوات ترعرع الأكاديميين الأخلاقي والروحي تتزامن مع سنوات قمع الثقافة القومية» الروسية.
يُذكر أن الحديث في رسالة العلماء الروس دار بشكل أساسي حول تغلغل الدين في مجال العلوم والتعليم، حيث عبروا عن استيائهم من اقتراح الكنيسة الروسية بضم علم اللاهوت إلى قائمة الاختصاصات العلمية. ودعوا رجال الكنيسة إلى التفكير بما ستؤدي إليه هذه السياسة، «رصّ الصفوف في الدولة أم انهيارها؟».
وإضافة إلى ذلك، أورد العلماء أمثلة تؤكّد أنّ الكنيسة «تغلغلت في القوّات المسلحة»، وانتقدوا تغطية الإعلام بحماسة للشعائر الدينية، التي يشارك فيها رجال الدولة، في حين أن الكنيسة تتغلغل تقريباً في جميع مجالات الحياة الحكومية، الأمر الذي يعارض الطابع العلماني للدولة ومبدأ فصل الكنيسة عن نظام التعليم الحكومي، الذي ينص عليهما الدستور الروسي.
وفي السياق، وقّع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، أوّل من أمس، مرسوماً يقضي بمنح ممثّل بطريركية أنطاكيا وسائر المشرق لدى البطريركية الروسية المطران اللبناني الأصل نيفون الصيقلي وسام الصداقة الروسي.
وجاء على موقع الرئاسة الروسية الإلكتروني أنّ بوتين منح الأسقف اللبناني الوسام «لمساهمته الشخصية الكبرى في تعزيز علاقات الصداقة بين شعوب روسيا وبلدان الشرق الأدنى».
يُذكر أن ابن مدينة زحلة عُيّن ممثلاً لبطريرك أنطاكيا وسائر المشرق للروم الأرثوذكس أغناطيوس الرابع، في عام 1977 في موسكو، حيث يقوم منذ ذلك الحين برعاية جالية كبرى من اللبنانيين والفلسطينيين والسوريين.