موسكو ــ حبيب فوعاني
لا تزال قضية بناء مفاعل بوشهر الكهروذري، الذي تقوم شركة روسية ببنائه في جنوب إيران، موضع تجاذب بين موسكو وطهران، مع استمرار حدّة الانتقادات بين مسؤولي البلدين بسبب تأخر الشركة الروسية في التزاماتها.
وأظهر تصريح رئيس البرلمان الإيراني غلام علي حداد عادل، أمس، صعوبة المرحلة التي تمر بها هذه القضية، حين حذّر روسيا من مغبة المزيد من التأخير في استكمال بناء المحطة، معتبراً أن هذا المشروع «رمز للتعاون بين روسيا وإيران وأن التأخير سيكون له تأثير سلبي في أذهان الحكومة والأمة الإيرانية»، حسبما نقلت عنه وكالة الأنباء الإيرانية «ارنا».
ويشير رئيس البرلمان الإيراني بذلك، إلى تقارير مفادها أن روسيا وضعت للمرة الأولى شروطاً سياسية بما في ذلك تقديم إيضاحات في شأن كل المسائل الغامضة في المشاريع النووية الإيرانية قبل استكمال بناء المحطة وتزويدها بالوقود النووي، وفق ما ذكرت وكالة الأنباء الألمانية «د ب أ».
وكانت وكالة «أسوشييتد برس» قد أفادت، أول من أمس، من فيينا بأن روسيا كثفت ضغوطها على إيران، وأكدت على لسان دبلوماسي أوروبي أن «موسكو حذرت إيران من أنها لن تسلمها الوقود النووي اللازم للمفاعل شبه المكتمل، والذي بني بمساعدة روسيا، إذا لم تنزع طهران قناع السرية عن نشاطاتها المثيرة للشكوك في المجال النووي».
وذكر مسؤول أميركي، للوكالة نفسها، أن «الروس لا يتقيدون بالتزاماتهم، لكي لا يسمحوا لإيران بتنشيط عمل مفاعل بوشهر النووي». وافترض أن المماطلة هي محاولة للضغط على إيران لانتزاع تنازلات أكبر منها في شأن مقررات مجلس الأمن الدولي الخاصة بالجمهورية الإسلامية.
وأشار دبلوماسي آخر من الشرق الأوسط إلى أنه «بالنسبة للروس تتعدى القضية كونها مسألة مال، فهم لا يريدون الظهور بمظهر الدولة التي ساعدت طهران في الحصول على أسلحة نووية».
وذكرت «أسوشييتد برس» بأن «الضغط المتصاعد من جانب روسيا» يجري في وقت تظهر فيه إيران بوادر القبول بالحلول الوسط حول المطلب الرئيسي الدولي، أي إزالة الغموض حول البرنامج النووي الإيراني، الذي يثير شكوكاً حول نية طهران الحصول على السلاح النووي.
وهذا ما أكده، نائب الأمين العام للمجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، عبد الرضا رحماني فضلي، بقوله إن طهران «تتوقع تجنب المزيد من العقوبات الدولية في ظل تعاونها المستمر والمثمر مع وكالة الطاقة»، معتبراً أن تشديد العقوبات «يمكن أن يضرّ بتعاون إيران مع الوكالة».
وهي ليست المرة الأولى التي يقوم فيها الغرب بتسريب معلومات حول الضغوط الروسية على الجانب الإيراني؛ فقد كتبت صحيفة «نيويورك تايمز» في نهاية آذار الماضي، واستناداً إلى جهات رسمية أوروبية أيضاً، عن «إنذار وجّهته موسكو إلى طهران»، هددت فيه بإيقاف توريدات الوقود النووي إذا لم توقف إيران برنامج تخصيب اليورانيوم. ولكن المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية ميخائيل كامينين سرعان ما كذّب هذا الخبر.
ويبدو واضحاً أن الغرب يريد بهذه التسريبات الإيحاء لموسكو بأن الوقت قد حان لممارسة الضغط على طهران. غير أن مثل هذه التلميحات، وكما أظهر مثال آذار، تؤدي إلى نتائج عكسية، وتستدعي فقط ردود الفعل الغاضبة من جانب روسيا. إذ من المعلوم أن القيادة الروسية العليا الحالية، بعكس القيادة اليلتسينية (نسبة للرئيس الراحل بوريس يلتسين)، تحرص على ألا تظهر كمن يمكن أن يخضع لأي ضغوط من الخارج.
وتتلخص القضية في أن روسيا لا تريد أن تفقد آخر ورقة في يدها، وهي الوقود النووي، للضغط على مفاوض صعب المراس مثل الجانب الإيراني، ولا سيما أن أمين مجلس الأمن القومي الروسي إيغور إيفانوف قد فقد منصبه لفشله في إدارة الملف النووي الإيراني، بحسب المراقبين.
وفي مقابل ذلك، فقد مشروع بوشهر أكبر نصير له في روسيا، وهو وزير الطاقة النووية الروسية الأسبق يفغيني آداموف، الذي لم يتراجع أمام الضغوط الأميركية، ما جلب على نفسه غضب واشنطن، وأدى إلى اعتقاله على أيدي السلطات السويسرية في أيار 2005، في مدينة بيرن، بطلب من وزارة العدل الأميركية، بتهمة الاستيلاء على تسعة ملايين دولار صرفتها وزارة الطاقة الأميركية لروسيا لتطوير برامج الأمن النووي.
ويبدو أن الأمر متعلق أيضاً بقوى أخرى «ليبرالية» في النخبة السياسية الروسية، استطاعت الحفاظ على مواقعها في السلطة بعد ترك الرئيس يلتسين لمنصبه في عام 2000.