strong>دمشق لن تحضر مؤتمر السلام «من دون معرفة أهدافه»... ولا «تنافس» مع طهران
أكّد نائب الرئيس السوري، فاروق الشرع، أمس أن بلاده تستعد لمواجهة عدوان إسرائيلي محتمل، وإن كانت لا تريد الحرب، مشدداً على أن دمشق لن تحضر المؤتمر الدولي للسلام الذي دعا إليه الرئيس الأميركي جورج بوش، حتى لو دعيت إليه إن لم تعرف أهدافه وتفاصيله، ومعرباً في الوقت نفسه عن أسفه للدور «الشبه مشلول» للسعودية، التي حمّلها بشكل غير مباشر مسؤولية فشل اتفاق مكة.
وقال الشرع، في محاضرة لمناسبة عيد الصحافيين في دمشق أمس، إن «سوريا لا تريد الحرب وإسرائيل تعرف ذلك، وسوريا تستعد لأنها عرفت ولمست أن إسرائيل تريد أي ذريعة من أجل شن الحرب، لكن سوريا لن تبادر» إليها، مضيفاً: «يجب أن نكون على استعداد لرد أي عدوان إسرائيلي». وتابع: «قالت سوريا منذ سنوات إن السلام خيار استراتيجي، إلا أن هناك خيارات أخرى لم تلغها القيادة السورية».
وأضاف الشرع أن «الشارع السوري لا يريد الحرب، لكنه لا يقبل الاستسلام، ولا يقبل الاستكانة، ويريد أي مفاوضات تعيد له الأرض حتى حدود 1967».
وشنّ الشرع هجوماً مبطناً على الدور السعودي في المنطقة، ملمّحاً إلى أزمة بين دمشق والرياض، وقال: «للصدق وبأسف فإن دور السعودية شبه مشلول ولا أعرف الأسباب». وأورد مثالاً على ذلك «اتفاق مكة الذي عقد بين حركتي حماس وفتح وكان المطلوب من الأطراف الموقعة أن تكون فاعلة في متابعة مستلزماته ومتطلباته».
وقال الشرع: «هذا سؤال كبير، والإجابة أنه إما الولايات المتحدة لم تستمع إلى حليفتها التقليدية السعودية، وهذا يضع إشارة كبيرة، أو أن السعودية ليست في وضع تستطيع أن تتابع مستلزمات الاتفاق».
وكشف الشرع عن أن «اجتماعات غير معلنة جرت في دمشق أكثر من مرة بين القيادة السورية والرئيس الفلسطيني محمود عباس، وكذلك مع قيادة حماس، وفي مقدمها رئيس مكتبها السياسي خالد مشعل، للتوصل إلى اتفاق على حكومة وحدة وطنية». وأضاف: «إن الاتفاق أنجز في دمشق وبقيت كلمة واحدة بين احترام الاتفاق والالتزام به، ولو أردنا أن ننجزه في سوريا لحصل، ولكن هم أرادوا أن يحصل ذلك في مصر أو السعودية ونحن رضينا لأنه ليس المهم قيام الحكومة وإنما استمرارها ودعمها بشكل أساسي».
وفي مثال ثانٍ عن شلل الدور السعودي، طرح الشرع مسألة غياب الرياض عن الاجتماعات الأمنية للعراق وجواره، التي عقدت في دمشق على مستوى الخبراء يوم الأربعاء والخميس الماضيين. وقال: «كان يمكن السعودية أن تحضر، ولو على مستوى موظف في سفارة، وإن كان لديها تحفظات، وألا تترك المقعد فارغاً. إلا أنها تعمدت الغياب. هذا شيء مؤسف وهو يرتبط بالأمر الأول».
وشدّد الشرع على أن بلاده «تريد علاقات قوية واستراتيجية مع السعودية، لكنها لا تستطيع أن تفرض ذلك، فالعلاقات بين الدول تحتاج إلى جانبين»، مضيفاً أنه «خلال 36 سنة من العلاقات مع السعودية، لم يكن هناك أي سوء فهم، مع أن وسائل إعلام سعودية تتحدث مراراً وتكراراً بسلبية مؤسفة عن سوريا خلافاً لوسائل الإعلام السورية»، آملاً «ألا يتكرّر ذلك».
وأضاف الشرع: «نتمنى أن يكون الاعتدال اعتدالاً حقيقياً. فنحن معتدلون، لكن الآخرين مستكينون ويطلق عليهم اسم معتدلين. فالاعتدال لا يعني الاستكانة أو ما يريده الأجنبي».
ورأى الشرع أنه «حين يقال إن القضية الفلسطينية بيد سوريا يعني أنه لا حل في المنطقة من دون سوريا بسبب الدعم المتوازن لكل الشعب الفلسطيني»، مشدّداً على أنه «لا دولة عربية تمتلك هذه الخاصية الهامة».
وكشف الشرع عن جهود لرأب الصدع الفلسطيني. وقال إن «التئام الجرح الفلسطيني يحتاج إلى جهود كبيرة بدأناها، لكن لا تتوقعوا نتائج سريعة».
وعن القمة العربية المقبلة المقرر عقدها في دمشق، قال الشرع إن «هدفها رأب الصدع في العلاقات العربية ـــــ العربية. فهناك وهن عربي عام وجسم عربي هش من الداخل، فمن غير المعقول أن تفشل أميركا وتهزم في العراق وأفغانستان وبعض العرب يحزنون. هذا غير معقول ولم يحصل في التاريخ».
وشدد الشرع على أن السعودية ومصر «أساسيتان في هذا التضامن»، مشيراً إلى أن «الرئيس بشار الأسد في الرياض حاول عقد قمة ثلاثية مع مصر والسعودية لكنهم لم يقبلوا. لم يجرؤوا على ذلك»، معرباً عن أمله «أن تأتي قمّة دمشق وهم أكثر قدرة واطمئناناً».
وفي سياق المحاولات التطبيعية الإسرائيلية، رأى نائب الرئيس السوري «أن من المطلوب إحداث خرق في الجسم العربي الهش»، مضيفاً أن «إسرائيل لن تستفيد، وهزيمتها قبل عام في لبنان أكبر مؤشر على ذلك. إن التطبيع بينها وبين العرب سيفشل كما فشلت في عدوانها الأخير على لبنان». ونوه بأهمية الانتصار الذى حققته المقاومة اللبنانية خلال تصديها للعدوان الإسرائيلي، مؤكداً أن «هذا الإنجاز التاريخي سيفشّل أي محاولات إسرائيلية للسيطرة على المنطقة».
وسخر الشرع من طرح الرئيس الأميركي جورج بوش بأن وجه الشرق الأوسط سيتغير من لبنان، مشيراً إلى أنه «يكرّر حديث الكسندر هيغ قبل 24 عاماً حين زار (أرييل) شارون واشنطن عشية الاجتياح الإسرائيلي للبنان». وأضاف أن «عمر الإمبراطورية الأميركية قصير إذا ما قيس بإمبراطوريات أخرى لأن حساباتهم خاطئة. هذا لا يعني أنهم سينتهون كدولة عظمى، لكن لن يتمكنوا من تنفيذ أحلامهم في السيطرة على الشرق الأوسط والعالم».
كما سخر الشرع من طرح بوش للدولتين في فلسطين قائلاً: «لا أفهم. قد تكون هناك دولة ميكروسكوبية، وقد تكون دولة حقيقية لا مستوطنات فيها. إن إطلاق كلمة دولتين لا معنى له من دون تحديد. وهو أمر قابل لتفسيرات لها أول وليس لها آخر»، مشدداً على أن «مستقبل إسرائيل غير مضمون، فالسياسة العنصرية التي لا تقبل الآخر تحمل بذور فنائها في داخلها».
وأكد الشرع أن المؤتمر الموعود للسلام «يشبه فكرة الدولتين. إنه مبني على الوهم». وقال: «هل هم بخلاء بالكلمات، لقد أنفقوا 500 مليار دولار في العراق وأفغانستان، أليس من الممكن أن يتكلموا 5 كلمات ليشرحوا ما هو هذا المؤتمر الدولي. من سيشارك فيه وأين سيعقد وما أهدافه وما الضمانات التي ستخرج منه؟».
وقال الشرع: «هم استبعدوا سوريا. ولسنا آسفين، لأن مؤتمراً لا ندرك أهدافه ولا أساسه لن نحضره حتى لو دعونا إليه. يجب أن نعرف كل الحقائق المرتبطة بهذا المؤتمر ونقتنع بها. ويجب أن نعرف أنه مؤتمر حقيقي للسلام يوصل لاستعادة الأراضي العربية كاملة غير منقوصة».
واتهم الشرع الولايات المتحدة بإطلاق سياسة المحاور، نافياً وجود محور سوري ـــــ إيراني. وشدّد على أن «سوريا وإيران لا تتنافسان، وإن اختلفت رؤاهما قليلاً، إلا أن علاقاتهما استراتيجية، لكنها ليست عمياء، بل ترى كل التفاصيل بحكم التطورات».
وعن زيارة رئيس وزراء العراق نوري المالكي المرتقبة إلى سوريا، قال الشرع: «بمقدار ما يتمكن من التعبير بصدق وصراحة عن موقف عراقي جدي يسعى إلى مصالحة وطنية شاملة ووضع جدول زمني لإخراج القوات الأميركية، سيجد أن سوريا قريبة جداً من التعاون مع العراقيين في كل المجالات الأخرى الأمنية والاقتصادية وغيرها».
(يو بي آي، سانا)