«لا يمكن نسيان أنّ القوّات المسلّحة التركية طرف في هذا الجدل وأنها المدافع المطلق عن العلمانية وأنها ستطرح موقفها وستتحرّك صراحة وبوضوح عند الضرورة». بهذه العبارة تصدّى الجيش التركي لمحاولة وزير خارجيّة البلاد عبد الله غول الترشّح لرئاسة البلاد في نيسان الماضي. و«الجدل» هو حول علمانيّة البلادالتي يهدّدها، بحسب المؤسّسة العسكريّة والأحزاب العلمانيّة المعارضة، وصول غول وزوجته خير النساء المحجّبة إلى قصر «كنكايا» الرئاسي. فهل المواجهة مرتقبة أم أنّ النخبة العلمانيّة سترضى بخيارات حزب «العدالة والتنمية» الحاكم، الذي أعاد تثبيت أحقيّته في القيادة بعد الانتخابات البرلمانيّة الأخيرة؟غول تعهّد أمس، وبعد جولة على الأحزاب المعارضة أعقبت إعلانه الرسمي للترشّح، باحترام دستور تركيا العلماني إذا اختاره البرلمان. وقال، في مؤتمر صحافي، إن «حماية العلمانية من مبادئي الأساسية وينبغي ألّا يقلق أحد بخصوص هذا»، لأنّه سيكون «رئيساً لكلّ الأتراك»، مشدّداً على أنّه «ما من مشكلة لا يمكن حلّها لأنّ تركيا بلد عظيم».
وفي ردّ فعل أوّل على إعادة ترشيح غول، أوضح «حزب الشعب الجمهوري»، وهو الحزب العلماني المعارض الأكبر في تركيا، أنّه لن يحضر جلسات البرلمان خلال انتخابات الرئاسة. وقال نائب رئيسه، مصطفى أوزيوريك، في مؤتمر صحافي، إنّه «في هذه المرحلة لا نجد ضرورة لوجودنا في البرلمان»، مشيراً إلى أنّ المقاطعة ستشمل حفلات الاستقبال والرحلات الخارجية.
وذكّر أوزيوريك بأحد تصريحات غول كان قد قال فيه «إنّ نهاية الجمهوريّة قد اقتربت، وسنغيّر النظلم العلماني». وعلّق عليه بالقول إن «انتخاب شخص صرّح بعبارات كهذه في الماضي سيهزّ أعمدة الجمهوريّة».
بيد أنّه في ظل وجود غالبيّة برلمانيّة لـ«العدالة والتنمية» (341 مقعداً من أصل 550 مقعداً)، ومع إبداء حزب «الحركة القوميّة» استعداده لحضور جلسة التصويت على الرئيس، يبدو انتخاب غول محسوماً في الجلسات التي ستبدأ الإثنين المقبل، إلّا أنّ نتيجة التصويت الفعلي ليست هي المنتظرة، فالأمر المهمّ متعلّق بردّ فعل الجيش «حامي العلمانية»، كونه نفّذ 3 انقلابات منذ عام 1960.
و«العدالة والتنمية» ذو الأصول الإسلاميّة بقيادة رئيس الوزراء رجب طيّب أردوغان، الموالي لعالم المال والأعمال، يشدّد على أنّ مرشّحه، الذي أعرب أكثر من مرّة عن تخلّيه عن مواقفه المتشدّدة، هو الأفضل لتولّي رئاسة البلاد مذ انتهاء ولاية الرئيس العلماني أحمد نجدت سيزر.
وذلك الموقف تجلّى على الرغم من تصريحات عديدة لأردوغان، عقب فوز الحزب بنحو 50 في المئة من الأصوات في الانتخابات التي جرت في22 تمّوز الماضي، أعرب فيها عن أنّ اختياره لمرشّح رئاسي سيكون بالإجماع، ما عزز الآمال في البحث عن مرشح معتدل لا يغضب العلمانيين.
فغول (56 عاماً) برهن عن كفاءته في رئاسة دبلوماسيّة بلاده منذ عام 2002 باعتبار أنه نجح في قيادة الجهود التركيّة للانضمام إلى الاتّحاد الأوروبي، من خلال استخدام لغة موالية للغرب في حزبه.
كما نجح غول، الذي يرى الكثيرون أنّه يمثّل الوجه المعتدل لـ«العدالة والتنمية» الذي يعتبر نفسه اليوم قوّة ديموقراطية محافظة، في مواجهة الفترات الأكثر صعوبة التي شهدتها البلاد حين كان يتعلق الأمر بفتح جنوب شرق بلاده أمام القوّات الأميركية التي كانت تستعد لاجتياح العراق في عام 2003. وقد رفض البرلمان التركي ذلك في نهاية المطاف.
ويعدّ غول الذراع اليمنى لأردوغان، وقد تولى رئاسة الحكومة إثر الانتخابات التشريعية في تشرين الثاني عام 2002 بعدما قرّر القضاء أنّ رئيس الحزب لا يمكنه أن يتولّى بنفسه هذا المنصب بسبب حكم سابق بتهمة «التحريض على الحقد الديني». وتمكن أردوغان بعد ذلك من الفوز بمقعد في البرلمان في انتخابات تشريعية جزئية وتولّى بالتالي رئاسة الحكومة بعد 5 أشهر.
وغول «المنظّر»، ولد في عائلة متواضعة في معقل قيصرية الإسلامي (وسط) حيث انتخب نائباً 4 مرات منذ عام 1991. ويحمل إجازة في العلوم الاقتصادية من جامعة اسطنبول. التحق بجامعات في بريطانيا حيث نال إجازة ماجيستير ثم دكتوراه في الاقتصاد.
وبين عامي 1983 و1991، عمل كخبير اقتصادي في «بنك التنمية الإسلامي» الذي يوجد مقرّه في جدّة. ثم عاد إلى تركيا للقيام بحملة للانتخابات التشريعية عام 1991 إلى جانب رئيس الوزراء السابق، رائد الإسلام السياسي في تركيا، نجم الدين أربكان.
وإثر إعادة انتخابه في الانتخابات التشريعية عام 1995، أصبح الناطق باسم الحكومة الائتلافية الإسلامية الأولى في تاريخ تركيا الحديث، حيث تولّى فيها منصب وزير الدولة المكلّف العلاقات الخارجية وبينها ملفّ قبرص الشائك.
وحظر «الرفاه» في مطلع عام 1998 بعد الإطاحة به من السلطة في حزيران عام 1997 بضغط من الأوساط العلمانية التركية المدنيّة والعسكرية. وعلى غرار العديد من نواب «الرفاه»، انضمّ غول آنذاك إلى حزب «الفضيلة».
وبعد قيام القضاء التركي بحلّ «الفضيلة» بسبب «أنشطة مناهضة للعلمانية» أيضاً عام 2001. حلّ محله حزب «العدالة والتنمية»، الذي أسسه غول ورفيقه أردوغان.
(أ ب، رويترز، أ ف ب، د ب أ)