موسكو ــ حبيب فوعاني
مواجهة الأحاديّة والسعي إلى عالم متعدّد الأقطاب، عنوانان كانا متوقّعين في البيان الختامي لقمّة «منظّمة شانغهاي للتعاون». إلّا أنّ تعهّد دولها، التي تمثّل نصف سكّان الأرض، المضيّ قدماً في الاستقلال في مجالات حيويّة، يثير «تهديدات» متزايدة للعملاق الأميركي، وخصوصاً أنّ تحويل صفة إيران من «مراقب» إلى «عضو كامل» يكتسب منطقاً يوماً بعد يوم


وجّهت «منظّمة شنغهاي للتعاون»، التي تضمّ الصين وروسيا و4 دول من آسيا الوسطى هي كازاخستان وقرغيزستان وطاجكستان وأوزباكستان، في بيانها الخاتمي الذي أعقب قمّتها في بشكك أمس، انتقادات إلى الولايات المتحدة من خلال التركيز على أنّه ليس بإمكان «التحرّكات الأحادية» التصدّي «للمخاطر المعاصرة»، وعلى الدعوة للتعاون من أجل توطيد نظام عالمي متعدّد الأقطاب «لأنّنا واثقون بأنّ جميع المحاولات لتسوية المشكلات العالمية والإقليمية من طرف واحد لن تُوفّق»، على حدّ تعبير الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
والرسالة المناوئة للسياسات الأميركيّة تمثّلت أيضاً في التشديد على أن دول آسيا الوسطى قادرة على حفظ استقرار المنطقة وضمان أمنها في مجال الطاقة ذاتياً من دون تدخل خارجي، في ظل وجود تمويلات كافية لمكافحة الإرهاب والانفصالية والتطرّف في أوراسيا.
والقمّة، التي حضرها الرئيس الأفغاني حميد قرضاي والرئيس التركماني قربان غولي بردي محمدوف ونائب الأمين العام للأمم المتحدة لين باسكو كضيوف شرف، شهدت توقيع 8 وثائق، بما في ذلك معاهدة حسن جوار وتعاون وصداقة طويلة الأمد، و«إعلان بيشكك» الذي حدّد خطة الاتجاهات الأساسية المقبلة للمنظمة.
وأشار بيان القمّة إلى وجوب إجراء مزيد من المناورات العسكرية للتدريب على «مكافحة الإرهاب» كالتي تجريها اليوم قوّات من البلدان الأعضاء في المنظّمة في تشيليابينسك في منطقة الأورال الروسيّة في إطار «مهمّة سلام 2007» ويشارك فيها حوالى 6500 جندي.
وعلى الرغم من أنّ الدول الأعضاء في المنظمة، التي أُنشئت عام 2001 «لمكافحة الإرهاب والنزعات الانفصالية» في ظلّ اتّهامها بأنّها «ناد للدكتاتوريين» في منطقة آسيا الوسطى الغنية بالنفط والغاز، لا تخطط لإنشاء أي هيئة عسكرية، بحسب وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، إلا أنّ التطمينات الروسية بعدم تحويل المنظمة إلى تحالف عسكري لم تبدّد القلق الأميركي.
وبحسب الخبراء الشرقيين والغربيين والصحف الروسية جمعاء، يمكن الحديث عن بروز تحالف جديد مضاد لـ«حلف شمال الأطلسي» سيتعزّز يوماً بعد يوم في الفضاء الأوراسي، واعتبار المنظمة إحياءً جزئياً وبشكل معاصر لـ«حلف وارسو»، الذي ألغي في بداية تموز عام 1991، على أنقاض الاتّحاد السوفياتي.
وبرز الهجوم الأعنف على السياسات الأميركيّة الدوليّة في كلمة الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد، الذي يمثّل بلاده بصفتها «عضواً مراقباً» وهي الممنوحة للهند أيضاً، عندما حذّر من أنّ الدرع المضادّة للصواريخ المنوي نشرها في أوروبا الشرقيّة تمثّل «تهديداً» لـ«آسيا بكاملها»، معرباً عن أسفه للجوء بعض الدول إلى استخدام لغة التهديد والوعيد فيما يحتاج العالم إلى الأمن والاستقرار.
وتعقيباً على تصريحات نجاد، أوضح لافروف أنّه «يمكن فهم» موقفه «لأنّ الخطر المنسوب إلى بلاده ملفّق ويُستخدم حجة»، مشيراً إلى الحجج الأميركية لنشر منظومة الصواريخ المستندة إلى مبدأ «مواجهة الدول المارقة» وضمنها الجمهوريّة الإسلاميّة.
ومن جهته، شدّد بوتين في كلمته، على ضرورة السعي إلى ضمان الأمن العالمي وإمكانات التطور لجميع البلدان بشكل متكافئ. وقال «نحن مقتنعون بأنه لا يمكن تجزئة الأمن في العالم حالياً، ولن تنجح أيّ دولة تحاول بمفردها حلّ المشاكل العالمية أو الإقليمية»، مشيراً إلى أنّ المنظمة تؤكّد على أرض الواقع فعاليّة الجهود الجماعية الرامية إلى مواجهة التحديات والتهديدات المعاصرة.
وفي ضوء العلاقات الودية بين الصين وروسيا، وتشابك مصالح البلدين، يبدو أنّ مواجهة التهديد الأميركي في المنطقة فيها مصلحة مشتركة لهما، والتي ستتمثّل في المرحلة المقبلة بالضغط على الولايات المتحدة لسحب قاعدتها العسكرية في قرغيزستان، والتي أقامتها في مطار مناس بحجّة «محاربة الإرهاب» في أفغانستان.
وذلك لا يمكن إلّا أن يقلق الولايات المتحدة، إذ تكتسب فكرة يفغيني بريماكوف عن إنشاء «مثلث جيو ــــ بوليتيكي» بين روسيا والهند والصين، التي حاول تحقيقها من دون جدوى عام 1999 عندما كان رئيساً للحكومة الروسية، تجسيدها من خلال آليات المنظمة، فكيف إذا منحت العضوية الكاملة لإيران؟ وهو الأمر، الذي لا يستبعده المراقبون.