برلين ــ غسان بو حمد
{العائلات هربت من الأعمال الانتقاميّة ووظّفت أموالها غير المشروعة لتسيطر على الأسواق بأسعار زهيدة}


يتابع المحقّقون الألمان بالتعاون مع السلطات الأمنية الإيطالية ملابسات جريمة قتل 6 إيطاليين من عائلة واحدة ليل أوّل من أمس، في مدينة «دويسبورغ» الألمانية.
الضحايا سقطوا قتلى بالرصاص داخل سيّارتهم بعد خروجهم من مطعم «دا ــــ برونو»، وهو مطعم للمأكولات الإيطالية كانت عائلة «سترانجيو ـــــ نيرتا» قد اشترته بعدما هاجرت من بلادها نتيجة خلافها الدموي مع عائلات من عصابات منافسة، وجعلت منه مركزاً لقيادتها وتنظيمها للعمليّات غير المشروعة في العالم.
وكشفت معالم الجريمة عن أسلوب واحد مميّز: طلقات في الرأس مباشرة، وهو أسلوب انتقامي معروف لدى عصابات «المافيا» الإيطالية، وتحديداً في منطقة «كالابري» في جنوب إيطاليا، التي خضعت تاريخياً لسيطرة عائلات المافيا، التي تنشط تجارتها بالممنوعات وتحديداً المخدرات وتزوير الوثائق والعملات وتهريب البضائع من دون تصريح شرعي.
وقدّرت الشرطة عدد الرصاصات المستخدمة في الجريمة بـ70 رصاصة من مختلف الأسلحة، وهو ما دفع الصحف إلى وصف الجريمة بأنها «أسرع وأرخص محكمة إيطالية في ألمانيا».
وفور وقوعها وانكشاف خلفيّاتها، اتّخذت الشرطة الألمانية إجراءات أمن مشدّدة بالتعاون مع الشرطة الإيطالية، وأقامت الحواجز على الحدود بين البلدين منعاً لتدهور الأوضاع وسقوط المزيد من الضحايا، كذلك توجّهت دوريات التفتيش إلى بعض الأبنية التي تقطنها عائلات إيطالية بحثاً عن أشخاص يُشتبه في ضلوعهم في الجريمة.
وفي روما، أعلن وزير الداخلية الإيطالية غيليانو آماتو رسمياً، أن طابع الجريمة «انتقامي»، وتعود أسبابه إلى الصراع الخفي بين العائلات في «كالابري»، حيث يُطلق على هذا النوع من النزاعات العائلية تسمية «صراع إندراغاتا»، وهي النزاعات الدمويّة الأعنف، وتبلغ أوجها بين عائلتي «سترانجيو ـــــ نيرتا» ومجموعة «بيليه ـــــ روميو».
وتقدّر السلطات الألمانية عدد أفراد المافيا الإيطالية من الأقارب والموظّفين بنحو 7 آلاف شخص ينتمون إلى مئة عائلة، تنخرط في مواثيق واتّفاقات تعاون وتنسيق في ما بينها.
وكان عدد ضحايا «الجرائم المافيويّة» بين العائلات قد وصل إلى عشرات الأشخاص في السنوات الأخيرة الماضية، ووضع العائلات المتقاتلة في حال استنفار دائم والبحث الدائم أيضاً عن الأسلحة ووسائل الحماية في الأسواق.
وفيما تفيد مصادر من وزارة الداخليّة الإيطاليّة بأنّ «طابع الجريمة» يمتاز «بنوعية عالية من الدقة والعنف الدموي»، تملك الوزارة معلومات عن مساعي بذلتها عائلة «سترانجيو ـــــ نيرتا» لشراء الأسلحة وعدسات التصوير السرّي لحماية نفسها من الاعتداءات الانتقامية، بالإضافة إلى نقل نشاطها غير المشروع من مدينة «سانت لوقا» في جنوب إيطاليا إلى «دويسبورغ» حرصاً على سلامة قادتها.
ولفت نائب وزير الداخلية الإيطالية ماركو مينيتي إلى أنّ «جريمة دويسبورغ» حالة نادرة في تاريخ النزاعات بين عائلات المافيا تتجلّى بانتقال النزاعات الدموية إلى خارج الأراضي الإيطالية، موضحاً أنّه «تمّ إرسال فريق تحقيق إلى ألمانيا للمساعدة على كشف المعلومات حول خفايا الجريمة وتوثيقها، تفادياً لوقوع المزيد من التصفيات الدموية الانتقامية».
ورفض العديد من المواطنين الذين شهدوا وقوع الجريمة الإدلاء بشهاداتهم خوفاً من تعرّضهم للأذى والانتقام. وجاء في التقرير الأولي للشرطة الألمانية أن حادثة القتل استغرقت خمس دقائق تقريباً فجر أوّل من أمس.
وعلى الرغم من السرية التامة التي تحيط بأعمال المافيا الإيطالية في «دويسبورغ» فإنها كانت خاضعة لمراقبة وتعاون أجهزة الأمن الأوروبي منذ عام 2003، حيث ألقت شرطة مدينة ميونيخ في جنوب ألمانيا القبض على بعض عناصر العصابة.
وكانت مدينة «سانت لوقا» في «كالابري» محطّ أنظار رجال الأمن الأوروبي (يوروبول) في متابعتهم للتجارة غير المشروعة على أراضي الاتحاد الأوروبي، بما في ذلك تجارة «الكوكايين» والأسلحة، وتزوير العملات وممارسة أعمال القتل والتصفيات والضغط على رجال السياسة الأوروبيّين.
وتقدّر اللجنة الأمنية الإيطالية لمكافحة «المافيا» الأرباح السنوية للمافيا في «إندرانجيتا» بنحو 35 مليار يورو، أي ما يفوق مجمل الأرباح السنوية لمصنع سيّارات «فيات» الإيطالي، فيما تفيد الشرطة الألمانية بأنّ «المافيا» الإيطالية تمكنت من تحقيق أرباح طائلة في السنوات الخمس الماضية، وخصوصاً بعد تمدّدها إلى داخل مقاطعات ألمانيا الشرقية وسيطرتها على الأسواق بأسعار زهيدة بعد انهيار جمهورية ألمانيا الديموقراطية وتحقيق الوحدة الألمانية.
ودفعت الأعمال الدمويّة ببعض عائلات المافيا في «كالابري» للهجرة إلى «دويسبورغ»، حيث عملت على توظيف أرباحها غير المشروعة في شراء واستثمار المباني والفنادق والمطاعم في المدينة وجوارها. ومثّل مطعم «دا ـــــ برونو»، حيث وقعت الجريمة، مركزاً رئيسياً لنشاط المافيا الإيطالية في ألمانيا.
فالمطعم يحمل شعار المطرقة مع الوصف «دا ـــــ برونو: الوحيد في مدينة دويسبورغ... مضمون». ومن خلال الاجتماعات التي كانت متواصلة في داخله، تمّ تنظيم العمليات غير المشروعة في أوروبا وبقيّة أنحاء العالم. كذلك حصلت تجارة شراء أسهم المال في بورصة فرانكفورت، وأيضاً عمليات شراء واستثمار المباني والفنادق والمطاعم في بعض المدن في ألمانيا الشرقيّة، وتحديداً في مدينتي «لايبزغ» و«إيرفورت»، حيث تجري عمليات بيع المخدرات الكولومبية وتسويقها إلى مدن العالم.
وكان «عرّاب دويسبورغ» جورجيو باسيل، الملقّب في عالم المافيا باسم «وجه الملاك»، الزعيم المافيوي الأوّل في «كالابري». وهو المنظّم الرئيسي لعمليات تهريب «الكوكايين» من أسواق كولومبيا وعبر مدن ألمانيا الشرقية إلى أسواق الدول الاشتراكية، وتحديداً يوغوسلافيا وتشيكوسلافيا وروسيا. ويتّهمه القضاء الإيطالي بقتل نحو30 عضواً منافساً من عائلات المافيا الإيطالية، باستخدام وسائل قتل متنوّعة بينها الخنق.

المطعم يحمل شعار المطرقة مع الوصف «دا ــ برونو: الوحيد في مدينة دويسبورغ... مضمون». ومن خلال الاجتماعات التي كانت متواصلة بداخله، تمّ تنظيم العمليات غير المشروعة في أوروبا وبقيّة أنحاء العالم. كذلك حصلت تجارة شراء أسهم المال في بورصة فرانكفورت، وأيضاً عمليات شراء المباني في بعض المدن في ألمانيا الشرقيّة، حيث تجري عمليات بيع المخدرات الكولومبية وتسويقها إلى مدن العالم