لم تمرّ زيارة وزير الخارجية الفرنسي برنار كوشنير إلى بغداد، التي اختُتمت أمس، بـ«سلامة» سياسياً، إذ انتقدت المعارضة الفرنسية الوزير الاشتراكي السابق، الذي عُرف بمعارضته للموقف الرسمي لبلاده الرافض للحرب الأميركية على العراق عام 2003. ورأت المعارضة أن الزيارة مقدّمة لسياسة جديدة ستتّبعها إدارة الرئيس نيكولا ساركوزي في الانزلاق بشكل أعمى إلى جانب السياسة الأميركية الخارجية. وفي ختام زيارته لبغداد، كان كوشنير في غاية الوضوح حين أقرّ بأنّ جزءاً من مهمته هو التحضير لتحرّك فرنسي يحفظ ماء الوجه للأميركيين. فقال: «الكل يعرف أنه لن يكون في وسع الأميركيين إخراج هذا البلد من الورطة وحدهم»، متعهّداً أنّ «فرنسا ستساعد العراق كلّما طلب العراقيون تدخلها وتدخّل الأمم المتحدة».
وقال كوشنير، في مقابلة مع الإذاعة الفرنسية «إر.تي.إل»: «على أوروبا أن تؤدي دوراً، وآمل أن يأتي وزراء خارجية آخرون إلى العراق»، كاشفاً عن أنّ أولهم سيكون نظيره السويدي كارل بيلد قريباً.
وشدّد كوشنير على أهمية التغيير في الموقف الفرنسي الذي اتّخذته باريس في عهد الرئيس السابق جاك شيراك، فقال: «كان هناك في الماضي موقف فرنسي يقول: المسألة معقّدة للغاية والقضية خاسرة مسبقاً إلى حد أنه يجدر عدم الاكتراث بعد الآن. وهذا لم يعد موقف فرنسا حالياً». ورأى أن هذا التبدّل الجذري في الظروف يؤسّس لإطار ملائم يمكن فيه بلداً «صديقاً للعراق» كفرنسا تطوير مبادرة خاصّة به.
وبخصوص الأزمة العراقية الداخلية، حمّل كوشنير السياسيين مسؤولية تدهور الأوضاع سياسياً. وقال، للصحافيين بعد محادثات أجراها أمس مع نائب الرئيس طارق الهاشمي، إنه لاحظ «غياباً للثقة بين القادة والزعماء»، مشيراً إلى أنّ «الثقة الموجودة على صعيد الشعب أكبر من تلك الموجودة بين السياسيين».
وردّ كوشنير أمس على هذه التهم التي وجهتها له المعارضة الفرنسية، فنفى استئذان الأميركيين قبل الزيارة، مشيراً إلى أنه أبلغ نظيرته الأميركية كوندوليزا رايس بزيارته «قبل بضع ساعات فقط». وذكّر بأنّ باريس ميّزت موقفها عن السياسة الأميركية عام 2003، مشيراً إلى «أننا كنا على حق في ذلك، ومن المهم للغاية أن يتذكر العراقيون كيف كان موقفنا حينها، لأنّ ذلك يمنحنا دوراً خاصاً اليوم».
ودافع كوشنير عن زيارته إلى العراق قائلاً: «في ضوء ما سيتقرّر وسيجري في العراق، سيتبدّل وجه العالم، لأنّ العراق سيؤثّر على الاستقرار في الشرق الأوسط وعلى العلاقات مع دول مثل إيران وسوريا والسعودية».
وردّ كوشنير على رئيس الوزراء الأسبق، جان بيار شوفينمان، بالتذكير أنّ الأخير «تنحّى من منصبه وزيراً للدفاع احتجاجاً على شن حرب الخليج الأولى عام 1991، وكان من أكثر الذين جاهروا بتأييدهم للديكتاتور الدموي صدام حسين».
وكانت أحزاب المعارضة الفرنسية قد شنّت حملة إعلامية عنيفة على الزيارة التي وصفتها بأنها «فاتحة لسلوك فرنسي تابع للأميركيين». وأعنف الانتقادات صدرت عن شوفينمان، الذي وصفها بأنها «زيارة استغفار مذِلّة تُفقد فرنسا ميزة عدم الانحياز». وقال إن كوشنير «استأذن» واشنطن قبل التوجه إلى بغداد.
ورأت افتتاحية صحيفة «لو موند»، أمس، أنّ الهدف الأساسي من الزيارة، «كسر القاعدة التي سيّرت العلاقات الفرنسية ـــــ الأميركية على مدى عقود، وفتح صفحة جديدة من العلاقات الثنائية قائمة على تقديم فرنسا المساعدة الكاملة للأميركيين في الخروج من المستنقع العراقي».
أمّا النائب عن حزب الخضر المعارض، نويل مامير، فقال إنّ زيارة كوشنير تأتي «تتمّة لزيارة ساركوزي إلى الولايات المتحدة، للقول للأميركيين إننا معكم في الوحل العراقي». واختتم النائب كلامه بالقول إنّ فرنسا تتصرّف اليوم كـ«كلب مدلَّل لدى الأميركيين».
(الأخبار، أ ف ب، يو بي آي، رويترز)