باريس ــ بسّام الطيارة
تسلّلت الأزمة النقدية إلى الاقتصاد العالمي، وخصوصاً الفرنسي، آتية من السوق الأميركية المترنّحة تحت ثقل «الديون الوسخة»، وهو الاسم المتعارف عليه لوصف «الديون غير القابلة للتحصيل».
وصرّح المدير العام لصندوق النقد الدولي أخيراً، رودريغو راتو، بأن تأثير الأزمة سوف ينعكس على النمو العالمي، وأن الصندوق بصدد إعادة تقويم نسبة النمو لعامي ٢٠٠٧ و٢٠٠٨، لتصبح أقل من ٥ في المئة.
وكانت المصارف المركزية في الدول المتقدّمة قد ضخّت مبالغ ضخمة لامتصاص أزمة السيولة المصرفية، تداركاً لانهيار البورصات العالمية، من دون أن يمنع ذلك أهم مراكز أسواق المال العالمية من تسجيل مؤشّرات سلبية منذ انطلاق هذه الأزمة، التي لم تفاجئ العديد من المراقبين، الذين كانوا ينظرون بريبة كبيرة لنسب الاقتراض العالية التي كانت تشكّل «قاطرة الاقتصاد الأميركية».
وتشكّل الأزمة النقدية وانعكاساتها «المفاجأة المؤلمة» بالنسبة إلى عهد الرئيس نيكولا ساركوزي، الذي كان يحلم بتحويل الإشارات الإيجابية التي كان الاقتصاد الفرنسي يسجّلها، إلى نقاط لحساب عهده الجديد.
وجاءت الأزمة لتزيد من العقبات التي تنتظر «البرنامج الاقتصادي السخي» الذي أطلقه الرئيس الشاب، عندما كان لا يزال مرشّحاً، والذي وعد بتنفيذه.
إلا أنّ مؤشّرات سلبية عديدة ظهرت أخيراً، وتنذر بأن يكون السير في خطط ساركوزي الاقتصادية، أمراً صعباً إن لم يكن مستحيلاً حسب معظم الخبراء. ومن أبرز تلك الأمور:
أوّلاً، تراجع مؤشّر بورصة باريس «كاك ٤٠» لأهم أربعين شركة فرنسية، ثانياً الأرقام الصادرة عن مؤسّسة الإحصاء الفرنسية التي تشير إلى «انزلاق عجز ميزان التجارة الفرنسي» إلى نحو ما يزيد على ١٥ مليار يورو، إضافة إلى الإعلان عن تراجع فرص العمل في الشهرين الأخيرين بشكل غير مسبوق منذ سنتين.
وينتظر ساركوزي في الأسابيع المقبلة تفاقم التململ في الأوساط النقابية والعمالية، بعدما استفاقت من صدمة انتخابه، وخرجت من دوّامة ما سُمِّي «سياسة الانفتاح» وحفلات الاستقبال التي خصّ بها ساركوزي نقابات العمال اليسارية، ومظاهر الرغبة بالأخذ بعين الاعتبار بالعديد من مطالبهم وبـ«وعود التشاور الدائم» معها.
إلا أنّ بوادر القوانين الجديدة جاءت لتؤكّد أن ساركوزي هو أولاً وأخيراً يميني. فقد صدرت المراسيم الأولى تحت عنوان «الإعفاء وخفض الاقتطاع الضريبي»، غير أنّ المستفيد الأكبر من هذه «الهدايا الضرائبية»، هي الطبقات العليا من دافعي الضرائب.
وبعد ذلك، خرجت مراسيم تتعلّق برفع الرسوم والضرائب عن ساعات العمل الإضافية، وهي ما اعتبرتها النقابات مؤشّرات سلبية جداً لسوق العمل ونسبة البطالة، إذ إنها تدفع أرباب العمل إلى تشغيل العمّال ساعات إضافية بدل توظيف عمّال جدُد.
وقبل أسبوع، ظهرت أولى خطوات «معالجة الوظائف العامة» لتبيّن أن الحكومة قد خطّطت لإلغاء ما يزيد على ٢٢ ألف و700 وظيفة، بينها ١١ ألف في ملاك وزارة التربية، رغم ضآلة الجهاز التعليمي. وجاءت ما سمته الحكومة «إصلاحات إدارية»، إلى جانب الإعلان عن التوجّه نحو تخصيص الجامعات الفرنسية للتخفيف عن عبء التعليم العالي على موازنة الدولة. والمعروف أن موازنة التعليم في فرنسا هي الأعلى في العالم، إذ تبلغ نحو ٤٠ في المئة، وتؤمّن تعليماً مجانياً ذا مستوى تحسدها عليه العديد من الدول.
إلا أن هذه الإجراءات التي يُنتظر أن تثير اضطرابات اجتماعية مع عودة الفرنسيين من العطلة وبدء فصل الدراسة، هدفت قبل كل شيء إلى ضبط الموازنة الفرنسية للتأقلم مع الموجبات الأوروبية التي ترغمها على إنزال نسبة قيمة العجز بين 3 إلى صفر قبل عام ٢٠١٠.
إلا أن الأزمة النقدية المستجدّة سوف تجبر فريق ساركوزي على «إجراءات أكثر حدّة» ما قد يجعل الرأي العام يقصّر جداً من فترة السماح التي أعطاها للرئيس الجديد.