باريس ــ بسّام الطيارة
استبق وزير الخارجية الفرنسي برنار كوشنير، أمس، خطاب الرئيس نيكولا ساركوزي عن السياسة الخارجية المفترض أن يوجهه اليوم (الاثنين) إلى الموتمر السنوي لسفراء فرنسا، بمقابلة مع الصحيفة اليومية الشعبية «لو باريزيان» ليضع «النقاط على الحروف»، رغم أن «قالب المقابلة» أشار بوضوح إلى ضيق ذرع الوزير بانتقادات «زملائه السابقين في الحزب الاشتراكي» بوصفه حالة الحزب قائلاً «إنها تُحزنني».
وفي ما يخص ملفات الشرق الأوسط، ولا سيما الوضع في لبنان، قال كوشنير بوضوح «لقد قلنا مراراً إنه إذا لم تضع سوريا عراقيل في وجه استقلال لبنان، فإن انفتاح فرنسا على سوريا سيكون مذهلاً»، إلا أنه استطرد طالباً من دمشق «ضمانات» للوصول إلى هذا التحوّل.
ويرى البعض في هذا التصريح التحضير لامتصاص ما يمكن أن يؤديه إعلان ساركوزي اليوم في شأن «فتح طريق دمشق» أمام وزير خارجيته.
وفي ما يتعلق بالملف الإيراني، قال كوشنير أيضاً إنه «مستعد للتوجه إلى إيران إذا كان ذلك مفيداً للسلام». وأعاد التذكير بموقف فرنسا قائلاً «نريد أن نكون حازمين لأن هناك خطراً كبيراً إذا امتلكت إيران السلاح النووي». وأضاف «إننا نفاوض بكل قوة وفي الوقت نفسه نحضّر لزيادة الضغوط إذا استلزم الأمر».
وقد برّر كوشنير زيارته لبغداد بأنها لإخراج «العراقيين من حوار منفرد مع الأميركيين»، وبضرورة أن تكون فرنسا على كل الجبهات، وخصوصاً في هذه المنطقة حيث لها مصالح مهمة جداً. وعاد كوشنير إلى الوراء لتفنيد الاتهامات التي وُجهت إليه بأنه «كان مع الحرب»، مذكّراً بموقفه الذي كان حسب قوله «لا للحرب ولا لصدام» ودعوته إلى حل «عبر الأمم المتحدة».
وتعليقاً على الانتقادات التي وُجهت إلى سيسيليا ساركوزي على دورها في الملف الليبي، والتي يطالب الحزب الاشتراكي بمرورها أمام اللجنة البرلمانية للاستماع إليها وهو ما يرفضه الرئيس الفرنسي، قال كوشنير «إنه يمكن أن يكون ما فعلته سيسيليا غير مطابق للعرف المعمول به». لكنه برر ذلك مشيراً إلى أن «تحرير رهائن» هو أهم من الأعراف.
وتطرق كوشنير إلى العلاقات الأميركية ـــــ الفرنسية، وقال إن «الجديد» فيها هو أنه لم تعد «معاداة أميركا قاعدة لسياستنا» كما كان الأمر في السابق. ووصف ذلك بأنه «تغيير صغير»، مضيفاً بحدة «نعم نحن أصدقاء لأميركا، نعم نحن حلفاء الأميركيين». إلا أنه استدرك قائلاً «لكننا لسنا دائماً متوافقين معهم» على كل مبادراتهم وبعض سياساتهم «ونقول لهم ذلك».
ولوحظ بقوة أن وزير خارجية فرنسا تجنّب التطرق إلى الملف الفلسطيني، ما يشير حسب معلومات من مصادر ثقة تواترت لـ«الأخبار» إلى أن هذا الملف في عهدة ساركوزي، الذي يبدو أنه كان محل توافق مع الرئيس الأميركي جورج بوش خلال لقائهما الصيفي لترك مبادرة المؤتمر الدولي الذي اقترحه سيد البيت الأبيض «تأخذ مجالها من دون توتير ولا ذبذبة» من جانب الأوروبيين.
ويرى مراقبون أن مقابلة كوشنير عشية خطاب ساركوزي تبدو كأنها تأتي لتعلن تحولاً بسيطاً في السياسة التواصلية للرئيس الفرنسي، بعد الانتقادات التي وُجهت إليه بأنه «ممسك بكل خيوط السياسة الحكومية»، ولا يترك مجالاً للوزراء ويحوّل ببطء النظام إلى نظام رئاسي.
وبتركه كوشنير، المشهور بكلامه الصريح، الخوض في الخطوط العريضة للملفات الأكثر حساسية، فإن ساركوزي يحاول امتصاص ضربات الانتقاد لأسلوبه في الحكم من جهة، ويضع كوشنير في واجهة الملفات الساخنة من جهة أخرى.
في هذا الوقت، عادت منافسة ساركوزي في انتخابات الرئاسة، سيغولين رويال، إلى «الساحة الإعلامية» عبر انتقاد شديد لـ«سياسة الرئيس الفرنسي والحكومة بما في ذلك على الساحة الدولية»، وذلك بتصريح «جردت» في خلاله كل ما قام به الرئيس الفرنسي «خلال الأيام المئة الأولى».
وانتقدت رويال بشدة سياسة ساركوزي والحكومة بما في ذلك على الساحة الدولية، داعيةً في المقابل الى إصلاح الحزب الاشتراكي «في العمق». وبعدما أشارت إلى أن أرقام النمو بعد 100 يوم على تولي ساركوزي الرئاسة جاءت مخيبة، رأت رويال أن الإصلاحات لتنشيط الاقتصاد «لم تطبّق»، منددة بسياسة ضريبية «تعطي الكثير لأصحاب الثروات والقليل لمن يملك القليل ولا تعطي شيئاً للمحرومين».
وذكرت رويال أن «الولايات المتحدة بلد يبحث حالياً عن هويته» حيث «تسود الشكوك الأوساط الجمهورية»، معربةً عن أسفها «للقاء الرئيس الفرنسي مع جورج بوش فقط» خلال عطلته في الولايات المتحدة في آب ولإرسال كوشنير الى بغداد في زيارة «لم يحضّر لها جيداً».