برلين ـ غسان أبو حمد
تترافق زيارة المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل إلى الصين التي تبدأ اليوم، مع كشف فضيحة تجسّس دولية خطيرة تطال المصالح المشتركة بين برلين وبكين، وصدقية التعاون على جميع الأصعدة. فمجلّة «در شبيغل» تكشف في عددها الصادر اليوم، عن فضيحة تسلّل جهاز الاستخبارات الصيني إلى أجهزة الكومبيوتر في الوزارات والدوائر الرسمية الألمانية، وسرقة المعلومات السرية التي تحويها.
هذه الجريمة تقضي على صدقية التعاون بين البلدين، وأبرزها مهمّة حماية البيئة، وبالتالي التعاون المشترك لمكافحة خطر الاحتباس الحراري، وأيضاً وضع حدّ للمنافسة التجارية في الأسواق الدولية، وبالتالي اقتسام الأرباح بطريقة «معقولة» في أسواق رأس المال، بعيداً عن المضاربة، إلى جانب وضع المنتجات الصناعية تحت الرقابة الصحية الدائمة حماية للمستهلكين.
عملية التجسّس النوعيّة، التي كشفتها «در شبيغل» تحت عنوان: «الجواسيس الصفر: هكذا يسرق الصينيّون التكنولوجيا الألمانية»، أشارت إلى استخدام الاستخبارات الصينية فيروس لسرقة «معلومات سريّة وخطيرة» في مجال البحوث العلمية والأمن والسياسة الداخلية والخارجية.
وجهاز الاستخبارات الألماني وصل متأخراً ليكتشف عن طريق الصدفة تسلّل الصينيين إلى معلوماته وسحب نحو 160 جيغابايت منها، وتمكّن بالتالي من تعطيل التسلّل وفرض حال استنفار شاملة في جميع الوزارات والدوائر الرسمية الألمانية، تمهيداً لتنظيفها من «الفيروس الأصفر».
وتنسب الصحيفة مضمون موضوعها الخطير إلى تقارير سرية صادرة عن أجهزة الاستخبارات الألمانية، وهي تحوي تفاصيل عمليات تسلّل طالت أبرز الوزارات والمراكز الحكومية الألمانية، وحتّى مكتب المستشاريّة الألمانيّة.
وتعقيباً على الفضيحة، اكتفت السفارة الصينية في برلين بالقول إنّ «خبر التجسّس على أجهزة الكومبيوتر الألمانية لا يستند إلى معلومات دقيقة»، فيما تؤكّد تقارير الأمن الألماني، والناطق الرسمي باسم المستشارية الألمانية أولريش فيلهلم، أنّ الاستخبارات الصينية تسعى منذ وقت طويل إلى سرقة «البحوث العلمية والمعلومات الاقتصادية»، وهي متعطّشة إلى المعلومات وإلى التكنولوجيا التي تعتمدها المصانع والمختبرات العلمية.
ويوضح رئيس دائرة الاستخبارات في مقاطعة بادن ـــــ فيرتنبرغ، يوهانس شمالز، لـ«در شبيغل»، أنّ 60 في المئة من نشاط دوائر الاستخبارات الألمانية ينصبّ على مكافحة وسائل التجسّس الصيني للنشاط الاقتصادي الألماني، وهذا الهمّ بات يسبّب أرقاً دائماً ويومياً لجهاز الاستخبارات الألماني.
وتجدر الإشارة إلى أنّ محاولات الجواسيس الصينيين اختراق الحواسيب الألمانيّة وسرقة معلوماتها، ليست جديدة. حيث شهد تشرين الثاني من عام 2005 محاولة اختراق وتسلل لسرقة المعلومات من أجهزة الكومبيوتر في الدوائر العسكرية الأميركية.
إلى ذلك، من المقرّر أن تلتقي ميركل اليوم الرئيس الصيني وين جياباو اليوم، وهو اللقاء الثاني في أقلّ من عام واحد، بعدما كان اللقاء الأول في مدينة هامبورغ الألمانيّة في أيلول الماضي أثناء انعقاد قمّة «أوروبا تخاطب الصين». وسيركّز اللقاء على قضايا الاحتباس الحراري واضطرابات الأسواق الماليّة وانعكاساتها.
فالصين هي العمود الرابع في مجموعة «بريك»، التي تضمّ أيضاً البرازيل وروسيا والهند، وهي الدول الصناعيّة الموازية لمجموعة «الثماني الكبار» (إيطاليا، فرنسا، الولايات المتّحدة، ألمانيا، اليابان، بريطانيا، روسيا، كندا). ووجود أكثر من 1500 موظف صيني في هامبورغ وحدها (في لندن يوجد 200 موظف صيني فقط) في ظلّ تحوّل سجل التبادل التجاري بين أوروبا والصين إلى عجز للقارّة العجوز (40 مليار دولار مقابل 22 مليار دولار لمصلحة الجانب الصيني)، يظهر تمدّد الصناعة والتجارة من بلاد التنّين.
والشركات الصينيّة تعتمد في غزوها للأسواق الأوروبية أسلوباً مميزاً، يقوم على افتتاح مكاتب صغيرة تختفي وراءها شركات ومصانع صينية ضخمة. وفي مراقبة عناوين هذه المكاتب، من مصانع عجلات السيارات إلى أدوات التبريد، إلى شركات النقل البحري، وصولاً إلى مصانع تلف النفايات (زونغديه)، يكاد يختفي باستمرار شعار «صنع في الصين».