قدّم وزير الخارجية الفرنسي برنار كوشنير، أمس، «اعتذاراً استفزازيّاً» إلى نوري المالكي، متوقّعاً استبداله قريباً، في وقت حقّق فيه الاتفاق الخماسي الذي وُقّع أمس، والذي انقسم حوله العراقيون، جزءاً من أهدافه، إذ أشاد المسؤولون الأميركيون برئيس الحكومة العراقية، ملوّحين بأنّ من شأن تلك الخطوة أن تكون نقطة مضيئة في تقرير بيترايوس ــ كروكر بعد نحو أسبوعينبعد يومين على مطالبته باستبدال نوري المالكي، اعتذر برنار كوشنير، أمس، عن كلامه بناءً على طلب رئيس الحكومة العراقية. وقال، في مقابلة أجرتها معه إذاعة «أر تي أل» الفرنسية، «إذا أراد السيد المالكي منّي أن أعتذر لتدخّلي في شؤون العراق بهذا الشكل المباشر فسأفعل، لكن هذا لن يغيّر الحقائق، فلست الوحيد الذي وجه الانتقادات، وإذا كان كلامي قد تُرجم بشكل سيّئ، فأنا آسف».
ولم تمضِ ساعات قليلة على الاعتذار الصريح، حتّى عاد كوشنير، أمام سفراء فرنسا المجتمعين في باريس، أمس، ليفجّر العلاقة مجدّداً مع بغداد. وفي معرض كلامه، أشار الوزير الفرنسي إلى الاحتجاجات التي أثارتها زيارته الأخيرة إلى بغداد، «وعلى الأخص احتجاجات رئيس الوزراء الذي عبّرت له عن أسفي هذا الصباح، والذي قد يغادرنا قريباً».
وفي مقال صحافي نشرته، أمس، صحيفة «هيرالد تريبيون»، قال كوشنير إن العراق يحتاج إلى حكومة وحدة وطنية ذات قاعدة عريضة. وعرض خدمات بلاده لأداء دور الوسيط في سبيل ذلك، معرباً عن رغبة إدارته في وضع خطّة زمنية لسحب قوات الاحتلال من العراق.
في هذا الوقت، تفاوتت ردود الأفعال العراقية على الاتفاق الخماسي، الذي وقّعه أمس قادة التحالف الرباعي، بالإضافة إلى القيادي في «جبهة التوافق العراقية» طارق الهاشمي، والذي اعتُبر دعماً كبيراً لحكومة المالكي بعد الضربات السياسية الموجعة التي تلقّتها أخيراً من خلال فقدانها عدداً كبيراً من وزرائها ومقاطعة كبيرة من الجانب السنّي.
وفي حين اعتبر رئيس «التوافق» عدنان الدليمي أنّ الاتفاق خطوة في الاتجاه الصحيح للمصالحة الوطنية في البلاد، تردّدت القائمة العراقية التي يتزعّمها إياد علاوي في التعليق عليه.
أمّا رئيس كتلة الفضيلة في البرلمان، حسن الشمري، ورئيس «جبهة الحوار الوطني» صالح المطلق، فقد انتقدا الهاشمي بشدّة على ما وصفاه «انخراط في الجبهة الرباعية»، وذلك رغم تأكيد الهاشمي على أنه لا يزال و«التوافق» خارج هذا التكتّل.
كما جدّدت «التوافق» التأكيد على مطلبها باستقالة الحكومة العراقية، رغم الاتفاق الذي شارك فيه الهاشمي، القيادي في صفوفها. وأوضح المتحدث باسم الجبهة، سليم الجبوري، أن الاتفاق الأخير «ليس كافياً بمفرده لإعادة الوزراء السنّة المستقيلين إلى الحكومة».
أمّا الكتلة الصدرية، فقد رفضت على لسان النائب نصير العيساوي ما تمخّضت عنه الاجتماعات الأخيرة للقادة السياسيين من قرارات، وفي مقدمها تعديل قانون «اجتثاث البعث».
وقال العيساوي، أمس، «إن أعضاء التحالف الرباعي والحزب الإسلامي ليسوا هم قادة العراق، بل هم يمثلون نسبة تقارب الـ 50 في المئة منه». ونفت الكتلة أن تكون قد أعطت موافقتها على قانون النفط والغاز المثير للجدل بشكله الحالي.
أما حزب «البعث» المنحل فقد تشكّك في إمكان تطبيق ما اتُّفق عليه، داعياً أعضاء الحزب إلى الالتزام بقرار قيادتهم وعدم الانجرار وراء ما وصفه بـ«الفخ».
وقال المتحدّث باسم الحزب، أبو المهيب البغدادي، في تصريح إلى قناة «الجزيرة» القطرية، أمس، إن القرار ليس ملزماً لمؤسسات الحكومة العراقية، وإن البرلمان لم يصادق عليه، مجدداً رفض حزبه التفاوض مع «الاحتلال وحكومته».
إلى ذلك، وصف السفير الأميركي لدى بغداد ريان كروكر، أمس، الاتفاق المذكور بأنه «الخطوة المهمة والمشجعة في تحقيق المصالحة». وكشف عن أن التقرير الذي سيقدّمه بالمشاركة مع قائد قوات الاحتلال دايفيد بيترايوس في الحادي عشر من الشهر المقبل، سيتضمّن «دور رئيس الوزراء الإيجابي في تقريب وجهات النظر وتحقيق المصالحة والتقدّم في العملية السياسية».
ومساءً، أجرى الرئيس جورج بوش اتصالات هاتفية بالزعماء العراقيين، ورحّب باتفاق المصالحة واصفاً إيّاه بأنه «خطوة مهمة»، داعياً الحكومة في الوقت نفسه إلى «بذل أكثر من ذلك بكثير، وخصوصاً في الضغط على البرلمان لترجمة الاتفاق في الإطار التشريعي».
بدوره، أشاد البيت الأبيض مساء أول من أمس بالميثاق الذي وقّعه المسؤولون العراقيون، واعتبره «مؤشراً مهماً إلى إرادتهم بالعمل لمصلحة الشعب العراقي بكل مكوناته».
ميدانياً، أدّت اشتباكات عنيفة اندلعت أمس في مدينة الكوت بين القوات الأميركية وعناصر من جيش المهدي، إلى مقتل ما لا يقل عن 13 مدنياً. كما أعلن جيش الاحتلال مقتل أربعة من جنوده في شمال العراق وغربه.
وكان محافظ صلاح الدين حمد القيسي، الذي سبق أن تعرّض لأكثر من محاولة اغتيال، قد نجا أمس من محاولة اغتيال جديدة تعرّض لها عندما انفجرت بتتابع سريع عبوتان ناسفتان كانتا تستهدفان موكبه لدى مروره وسط مدينة تكريت.
(الأخبار، أ ب، أ ف ب، يو بي آي، رويترز)