باريس ـ بسّام الطيارة
أجمع المراقبون على وصف خطاب الرئيس نيكولا ساركوزي أمام سفرائه في عواصم العالم، بأنه «مانيفستو» سياسي، رسم الخطوط العريضة لدبلوماسيته الجديدة تجاه معظم القضايا العالمية الطارئة، بدءاً بالشرق الأوسط، مروراً بروسيا والصين والولايات المتحدة وصولاً الى أفريقيا وأوروبا وايران، وهي جميعها أزمات وضعها تحت عنوان مركزي: «تفادي الصراع بين الإسلام والغرب»


حمل خطاب سيّد الإليزيه أمس أمام سفراء فرنسا مواقف متباعدة، مغلّفاً إياها بكلام عام عن العولمة «التي ربطت مخاطر الحروب والبيئة والفقر بشكل يتجاوز الحدود». وشاء نيكولا ساركوزي الانطلاق في كلامه من تاريخ مركزي هو عام ١٩٩٠، تاريخ انهيار الاتحاد السوفياتي، الذي جعل المجتمع الدولي عاجزاً عن إيجاد حلول للأزمات العالمية، معترفاً بأن «اللجوء الأحادي إلى القوة مثلما حصل في العراق» يقود إلى الفشل، «ويجعل المؤسسة المتعددة الأطراف مثل الأمم المتحدة أو الحلف الأطلسي عاجزة عن كسب ثقة الآخرين وإقناعهم بفعاليتها في مناطق مثل دارفور وأفغانستان».
وعن الصداقة بين بلاده والولايات المتحدة، قال «إننا حلفاء لكننا لسنا خاضعين، وأشعر بحرية التعبير عن توافقنا كما عن خلافاتنا».
وبعدما دعا إلى قيام «أوروبا قوية قادرة على إعادة بناء نظام عالم جديد فعال أكثر عدالة» كأولوية في السياسة الخارجية الفرنسية، أشار إلى أنه «ليست هناك أوروبا قوية من دون فرنسا قوية، كما لا يمكن أن تكون فرنسا قوية خارج القارة».
ثمّ تحدّث عن إمكان استئناف المفاوضات لانضمام تركيا الى الاتحاد الأوروبي، مؤكداً أنه يفضّل قيام «شراكة» بين الاتحاد الأوروبي وأنقرة. وقال إن فرنسا «لن تعارض فتح فصول جديدة للتفاوض بين الاتحاد الأوروبي وتركيا في الأشهر والسنوات المقبلة». ويُعدّ هذا الموقف تغييراً في موقف الرئيس اليميني الذي عارض مراراً انضمام تركيا «ذات الغالبية المسلمة إلى القارة ذات الطابع المسيحي».
وتناول ساركوزي ما رأى أنه «احتمال مواجهة بين الإسلام والغرب»، مشدّداً على ضرورة تجنُّبها من خلال دعم القوى المعتدلة في العالم الإسلامي ومساعدة الدول المسلمة على امتلاك الطاقة النووية مع احترام المعاهدات الدولية.
ورأى ساركوزي أن «تجنّب مواجهة بين الإسلام والغرب يبدأ في معالجة أزمات الشرق الأوسط الأربع»: النزاع الإسرائيلي الفلسطيني، والملف اللبناني والعراق إضافةً إلى الملف النووي الإيراني.
ولفت سيد الإليزيه إلى حقيقة «أن الجميع يشعر باليأس من عدم تقدم عملية السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، رغم الإجماع على حلّ الدولتين المستقلتين اللتين تعيشان جنباً إلى جنب». وأضاف «إنني صديق لإسرائيل ولن أساوم أبداً على أمن إسرائيل»، مذكّراً بأنّ «جميع قادة الدول العربية بدءاً بالرئيس (الفلسطيني) محمود عباس يدركون مشاعر الصداقة والاحترام التي أكنّها تجاه شعوبهم، وهذا ما يسمح بالقول للإسرائيليين والفلسطينيين معاً إن فرنسا عازمة على دعم أي مبادرة سلام مفيدة». وبعدما جدّد دعمه لإعادة بناء السلطة الفلسطينية تحت رئاسة عباس، حذّر من تخلّي المجتمع الدولي عن هدف إقامة دولة فلسطينية قد يقود إلى ما سماه «حماستان» في قطاع غزة، لأنها ستكون خطوة أولى نحو «سيطرة الإسلاميين الراديكاليين على كامل الأراضي الفلسطينية».
وفي الشق الثاني من أزمات المنطقة، وصف ساركوزي الوضع العراقي بأنه «التراجيديا التي لا يمكن حلّها إلا سياسياً». وفي هذا السياق، جدّد الرئيس الفرنسي تأييده للزيارة التي قام بها وزير خارجيته برنار كوشنير إلى بغداد أخيراً، مطالباً بتحديد «أفق للانسحاب العسكري للقوات الأجنبية وتحميل الفرقاء العراقيين مسؤولياتهم»، ومجدداً قناعته بأن يكون العمل في سبيل ذلك جماعياً.
وحضر الملف اللبناني بقوة في كلامه، فأدرج الأزمة من باب التحدّي الذي يهدّد بمواجهة بين الإسلام والغرب. وأكّد أن «صداقة باريس للبنان ليست موجَّهة إلى فئة أو طائفة معيّنة»، مشدّداً على تمسّكه باستقلال لبنان وسيادته وفق القرارات ١٥٥٩ و١٧٠١. ولم ينسَ ساركوزي التركيز على متابعة الحوار الذي بدأ في «سان كلو» بين اللبنانيين بمبادرة فرنسية. وكرّر موقف بلاده من ضرورة «انتخاب رئيس في المهلة الدستورية»، بهدف أن يكون رئيساً «يرى جميع اللبنانيين أنه يمثّلهم»، ويستطيع أن يعمل مع الجميع في الداخل والخارج.
ولم تغب سوريا عن ملاحظاته حول لبنان، فقال إنه «من واجب كل اللاعبين الإقليميّين، بمن فيهم سوريا، العمل لمصلحة انتخاب رئيس في لبنان»، ثم استطرد موجّهاً كلامه الى دمشق قائلاً «إذا اتّبعت دمشق هذا المسار، تكون شروط استئناف الحوار الفرنسي ـــــ السوري قد اجتمعت».
ومثّل الملف النووي الإيراني الحلقة الرابعة من التحدي بين الإسلام والغرب، التي وصفها بأنها «الأزمة الأخطر التي ينوء تحت ثقلها النظام العالمي». وتعرّض ساركوزي للملف النووي بلغّة جديدة مازجت بين التهديد والانفتاح، فشدّد على أن «امتلاك طهران للسلاح النووي أمر غير مقبول ». وحاول «إغراء» ايران بالانفتاح الدولي عليها «إذا اختارت احترام تعهّداتها الدولية»، معتبراً أن هذا هو «المسار الوحيد» الذي يسمح لنا بتجنّب خيار وصفه بـ«الكارثي»، بين «القنبلة النووية الإيرانية أو قصف إيران».
وانتقد موسكو على خلفية «تصرّفها العنيف الذي تنتهجه في طريق عودتها لاحتلال مركزها العالمي الذي يعود إليها». وشجّع الصين في سعيها وراء المواد الأولية، واصفاً ما يحدث بأنه من نتائج «عولمة غير مضبوطة». وتحدّث عن ضرورة إدخال إصلاحات في المؤسسات والوكالات الدولية وتوسيع مجموعة الثماني لتصبح ثلاث عشرة بفتح الباب أمام الصين والبرازيل والهند والمكسيك وأفريقيا الجنوبية للانضمام إليها. كما فتح ملف مجلس الأمن مطالباً بزيادة عدد الأعضاء الدائمين إلى 10، وذلك بإضافة خمس دول جدد، ذكر منها أربعاً هي ألمانيا واليابان والهند والبرازيل.