لم يستطع قادة الجيش التركي إخفاء ارتيابهم، وإلقاء التحيّة على الرئيس الجديد عبد الله غول، الأمر الذي يُظهر توجّساً راسخاً، رغم «تطميناته» إلى أنّ العلمانية ستبقى مصونة. ووافق غول أمس على التشكيلة الوزاريّة الجديدة، إلّا أنّ «الحماسة لمواصلة الطريق بالدم الجديد» يبدو أنها ستكون خاضعة لرقابة العسكرفي كنف اللقاء الرسمي الأوّل الذي يجمعه بقادة العسكر بعد تبوّئه منصبه الجديد أوّل من أمس، لقي الرئيس التركي عبد الله غول استقبالاً فاتراً جداً من قادة الجيش خلال مشاركته في احتفال لتسليم شهادات في مستشفى «غاتا» العسكري، شارك فيه رئيس أركان الجيش يسار بويكانيت وضبّاط آخرون.
ففيما ألقى الضبّاط التحيّة على وريث أحمد نجدت سيزر، لم يسلّم بويكانيت وبعض الضبّاط الكبار عليه، كما يقضي التقليد، لدى صعودهم إلى المنبر لتسليم الطلّاب شهاداتهم. وكان غول قد وصل إلى الاحتفال من دون زوجته خير النساء، التي ينظر العلمانيون إلى الحجاب الذي تضعه على أنّه، بصيغة رمزيّة، شائبة على دستور البلاد العلماني.
وبعد حفل التخريج، عقد غول مع رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان لقاءً وافق فيه الأوّل على التشكيلة الحكوميّة الجديدة، التي تضمّ أسماءً من المعسكرين العلماني والإسلامي. ويُبرز تسلم وزير الاقتصاد السابق، علي باباكان، لحقيبة الخارجيّة، توجّهاً في السياسة الخارجيّة أساسه السعي إلى عضوية الاتّحاد الأوروبي، وهو الذي أدى دور عرّاب الاقتصاد في فترة الركود عقب وصول «العدالة والتنمية» إلى الحكم في عام 2002، مع ما لذلك من أهميّة في مراعاة المعايير المطلوبة للانضمام إلى نادي الـ 27 الأوروبي.
وتضمّ الحكومة الجديدة ثلاثة وزراء على الأقّل لا يملكون «تاريخاً إسلامياً». ويتولى حقيبة الاقتصاد فيها الخبير السابق في شركة الاستشارات الماليّة الدوليّة «ميريل لينش»، محمّد سيمسك، فيما تولى حقيبة السياحة إرتوغلول غوناي، الذي ترك «الحزب الشعبي الجمهوري» العلماني المعارض وانضمّ إلى «العدالة والتنمية» في الربيع الماضي.
وتعليقاً على إقرار التوليفة الوزاريّة، التي كان سيزر في أيّامه الأخيرة في قصر كنكايا قد رفض إمرارها، قال أردوغان «سنستمرّ بالعمل من أجل مزيد من الحرّيات والرخاء الاقتصادي»، موضحاً «أنّنا سنبقى على طريقنا بحماسة جديدة وبالدم الجديد الذي أدخلناه (الحكومة الجديدة) لأنّنا ألّفنا فريقاً قوّياً».
وفي رسالة عُدت موجّهة إلى الجيش لـ «محاولة كسر الجليد» مع المؤسّسة العسكرية، لفت أردوغان، في بيان بمناسة «عيد النصر» الذي يصادف اليوم ويمثّل الانتصار على الاجتياح اليوناني في عام 1922 وإعلان الجمهوريّة التركيّة العلمانيّة بعدها، إلى أنّ تركيا تحتاج «أكثر من أي يوم مضى» إلى الوحدة. وقال «أودّ أن أشدّد على واقع أنّنا نحتاج إلى وضع خلافاتنا جانباً والتوحّد حول قيم أمّتنا ومبادئ الجمهورية».
وتبدو الحكومات الغربيّة سعيدة بنجاح غول، الذي يتحدّث الانكليزية بطلاقة وتربطه علاقات وثيقة بوزراء الخارجية الأجانب. ورأت الصحف الأوروبية في انتخابه مرحلة جديدة مؤاتية للديموقراطية في تركيا ولعلاقاتها مع الاتحاد الاوروبي، إلّا أنّها انقسمت حول مستقبل العلمنة في البلاد، متسائلة عن معنى هذا الانتخاب بالنسبة إلى القارّة العجوز، حيث رأى بعضها أنّه قد يمثّل فرصة لتغيير ركود المحادثات بين أنقرة والدول الأوروبيّة من أجل استكمال محادثات الانضمام.
(أ ف ب، أ ب، رويترز)

«لا تنسَ القسَم»
دعت الصحف التركية غول أمس إلى الوفاء بوعوده والتمسّك بالحياد واحترام العلمانية. فقد عنونت صحيفة «راديكالي» الليبرالية صفحتها الأولى «لا تنس ذلك القسم»، الذي أدّاه الرئيس الجديد وتعهّد فيها بـ «صون العلمانيّة والديموقراطية». كذلك دعت صحيفة «وطن» أردوغان وغول إلى إعادة اللحمة إلى المجتمع التركي، مشيرةً إلى الصعوبة التي سيواجهانها لاستيعاب العلمانيّين.