بغداد ــ الأخبار
مجموعات مسلّحة حملت لواء «المهدي» وتمدّدت أفقياً فضاع قرارها المركزي

استطاع «جيش المهدي» خلال سنوات قليلة احتلال الساحة الشعبية الشيعية العراقية، مستفيداً من عوامل غياب المرجعية السياسية واعتماده استراتيجية محاربة الاحتلال. إلا أنه لم ينجح في اعتماد هيكلية واضحة المعالم لمأسسة مدّه الشعبي، وهو ما دفع السيد مقتدى الصدر إلى تعليق نشاطه إلى حين تنظيمه.
ولم يبلغ «جيش المهدي» سنة تأسيسه الرابعة بعد، ومع ذلك يعد أكبر قوة شعبية شيعية في العراق. إلا أن عمره السياسي لم يتح له بلورة إيديولوجيا محدّدة أو فكر واضح المعالم، وخصوصاً أن توسّعه تضمّن جمع «الشتات» من الناس، ومن السياسيين أو العسكريين الذين تنقصهم الخبرة. وقد أدّى هذا التوسّع الأفقي إلى فقدان السيطرة على مركز القرار، بل مراكز القرار، وجعل هذا التنظيم خليطاً غير متجانس، يضمّ عناصر لا علاقة لهم بالسياسة، وربما بعضهم لا علاقة له حتى بالدين أو المذهب.
ويرى بعض المراقبين أن هذه «نقيصة كبرى»، ولكنها ليست الأولى في التاريخ السياسي العراقي المعاصر. فبعد ثورة 14 تموز 1958، مثلاً، انضم إلى الحزب الشيوعي العراقي مئات الآلاف من العراقيين، بينما لم يكن كادر الحزب قبل الثورة يتجاوز المئات، أو بضعة آلاف، ما دفعه آنذاك إلى وقف منح العضوية والتشدد فيها، وإبقاء المنتمين الجدد كأصدقاء أو مرشحين للعضوية. ومع ذلك، شهد يوم الأول من أيار 1959 تظاهرات مليونية في بغداد، استمرت 24 ساعة، وكان تعداد العراقيين لا يتجاوز ثمانية ملايين نسمة.
والأمر تكرّر بعد انقلاب 1968، وكان عدد أعضاء حزب البعث (جناح أحمد حسن البكر ـــــ صدام حسين) 67 شخصاً فقط، إلا أن منطق القوة والإغراء فرض على العراقيين نمطاً من الانتماء، بحيث وصل تعداد البعثيين الى الملايين الذين توزع الكثير منهم بعد الغزو على مختلف التنظيمات السياسية الجديدة أو الوافدة من الخارج.
ومن أهم التفسيرات للانتماء الواسع إلى التيار الصدري، كونه تياراً مفتوحاً بلا هيكلية، ووجود حساسية من الأحزاب الوافدة، إضافة إلى بحث المواطن الاعتيادي عن ملاذ في ظل الفوضى والانفلات الأمني. وهذا الملاذ قد يكون للحماية حتى من المخالفات أو الجرائم، لكونه مصدر قوة ونفوذ، ولا سيما أنه انطلق بشعارات مناوئة للاحتلال وللجهات السياسية الدينية القادمة معه، ما شكّل نوعاً من تضارب المواقف والمصالح بشكل خاص مع المجلس الأعلى للثورة الإسلامية وفيلق بدر، إلا أنه ظلّ محتفظاً بعلاقات قربى مع تيارات «الدعوة»، التي تتبنّى أفكار السيد محمد باقر الصدر.
وحين أسّس مقتدى الصدر «جيش المهدي» في أواخر عام 2003، كان يهدف إلى «حماية المراجع والمراقد المقدسة»، إلا أنه دخل في مواجهة مع القوات الأميركية، بعدما قتلت تلك القوات متظاهرين من أنصار الصدر خلال احتجاج على إغلاق صحيفة «الحوزة الناطقة» بتهمة التحريض على القتل في شهر آب 2004.
ويُتّهم «جيش المهدي» حالياً، ومنذ تفجير قبّتي سامراء في شباط 2006، بقيامه بعمليات خطف وقتل جماعي عبر ما يسمى «فرق الموت» ضد الطائفة السنية وضد من يخالفه الرأي في بغداد والبصرة وبعض مدن الجنوب الأخرى. إلا أن المطلعين على بواطن الأمور يرون أن تلك العمليات يغلب عليها طابع التنظيم الرسمي، ويرجّحون أن الذين يقومون بها من التيار الصدري ينفّذون توجيهات قيادات أخرى أكثر خبرة ودراية ولها علاقة بدوائر الدولة الحساسة، توفّر لهم الحماية المطلوبة والتقنيات المستخدمة في العمليات والأجور العالية التي لا يدفعها «جيش المهدي». وقد أقرّ مقتدى الصدر بوجود عناصر في «جيش المهدي» مجرمة وفاسدة، وتبرّأ من كل عنصر يتورّط في قتل عراقي.
تشكيلات «جيش المهدي»
يقول أحد قادة السرايا في «جيش المهدي» إن الجيش ينقسم إلى وحدات عسكرية تبدأ من المجموعات الصغيرة داخل الفصيل المؤلف من 50 مقاتلاً، تليها السرية من 300 مقاتل، وكل سبع سرايا تشكّل فوجاً. ويضيف «في النجف وحدها توجد 45 إلى 50 سرية، وهو ما يعني انتشار نحو 15 ألف مقاتل في المنطقة».
إلا أن مراقبين شكّوا في صحة هذا الرقم ويقدرون عدد قوات جيش المهدي بما يزيد قليلاً على عشرة آلاف. ويشير أحد قادة السرايا إلى أن مقاتلي الجيش «لا يتلقون تدريباً عسكرياً، لأن غالبية العراقيين تمرّسوا على القتال والتعامل مع السلاح من خلال خدمتهم العسكرية الإلزامية، فضلاً عن الحروب التي خاضها العراق».
وتشرف هيئة قيادية على إدارة جيش المهدي، الذي ينفذ عملياته من خلال مجموعات صغيرة من ثلاثة إلى خمسة أشخاص لتقليل الخسائر، وتقوم سياسة القتال على عدم خوض معارك مفتوحة، بل حرب عصابات.
ولضبط تصرفات المقاتلين، شكلت قيادة «جيش المهدي» قوة انضباط لمراقبة تصرفاتهم ورصد انضباط الزائرين في محيط الصحن الحيدري. وهذه القوة تتألف من فصيل واحد قوامه 50 شخصاً وتتبع مباشرة لقيادة الجيش وتعمل على مدار الـ24 ساعة.
وتتركز قوات «جيش المهدي» في مدينة الصدر في بغداد وفي النجف والكوفة وكربلاء، وأظهرت المعارك العنيفة التي نشبت في هذه المدن امتلاك جيش المهدي صواريخ وقنابل يدوية وأسلحة رشاشة.

«جيش المهدي» ينقسم إلى وحدات عسكرية تبدأ بالمجموعات الصغيرة داخل الفصيل المؤلف من 50 مقاتلاً، تليها السرية من 300 مقاتل، وكل سبع سرايا تشكّل فوجاً. ومقاتلو الجيش لا يتلقون تدريباً عسكرياً، لأن غالبية العراقيين تمرّسوا على القتال والتعامل مع السلاح من خلال خدمتهم العسكرية الإلزامية، فضلاً عن الحروب التي خاضها العراق