معمر عطوي
تأتي استقالة محافظ المصرف المركزي الإيراني إبراهيم شيباني، بعد سلسلة استقالات وتبدلات في مراكز وزارية ورسمية مهمة، لتؤكد حجم المعضلة الاقتصادية التي تعيشها البلاد، في ظل حكومة الرئيس محمود أحمدي نجاد الذي تتعرَّض سياسته الاقتصادية للانتقادات، حتى من رأس القيادة الروحية ممثلة بالمرشد الأعلى آية الله علي خامنئي، ما يُظهر عدم وجود انسجام كاف بين مراكز القرار في النظام الإسلامي حول هذه القضية.
وتشير هذه البرودة بين السلطة التنفيذية والولي الفقيه إلى مدى خروج نجاد عن ثوابت الخطة الاقتصادية العشرينية التي وافقت عليها حكومة الرئيس السابق محمد خاتمي، عام 2004، والتي تهدف إلى تحوُّل إيران الى قوة اقتصادية وعلمية إقليمية كبرى خلال هذه الفترة إذا طُبّقت بنودها.
ولم يقتصر الاتهام المبطَّن لنجاد بعدم السير وفق هذه الخطة على خامنئي، بل انسحب على رموز أخرى من النظام، أبرزها رئيس مجلس تشخيص مصلحة النظام علي أكبر هاشمي رفسنجاني، الذي اتهم الرئيس أيضاً بعدم تطبيق بنود الإصلاح، والبرلمان الذي وقّع نحو 40 من نوابه الإصلاحيين رسالة الى نجاد وخامنئي طالبوا فيها بإنقاذ الأداء الاقتصادي للحكومة.
وهكذا، يبدو من الطبيعي أن يكون استقبال خامنئي لنجاد وأعضاء حكومته الأحد الماضي، مقروناً بحثِّه على ضرورة أن تعمل الحكومة بجدِّية أكبر لتنفيذ الخطة العشرينية، و«تقوية الانسجام مع السلطات الأخرى»، في ظل بلوغ نسبة التضخم 16.6 في المئة وزيادة نسبة الفقر، وارتفاع نسبة البطالة الى ما فوق 12 في المئة.
ومع استقالة شيباني التي جاءت بعد أيام من استقالة وزيري النفط كاظم وزيري همانة والمناجم والصناعة علي رضا طهمسبي، بدت البلاد أمام مفترق صعب، وسط الحديث عن وضع الحرس الثوري الإيراني على قائمة الإرهاب الأميركية، بما تمثل هذه المؤسسة العسكرية العقائدية، من امتدادات واسعة في قطاعات إنتاجية وخدماتية واقتصادية حساسة في الجمهورية الإسلامية.
بيد أن هذا المُفترق لا يتحمل نجاد وحده مسؤولية حدوثه، في ظل تمسُّك الدولة بقيم الثورة، وتحمُّلها ضغوطاً سياسية وعقوبات اقتصادية برزت مصاديقها من خلال حصار دولي خانق وقرارات دولية (1737 و1747) على خلفية استمرار البرنامج النووي. وقد دفع ذلك نجاد إلى البحث عن خيارات متعددة أبرزها البحث عن استثمارات جديدة في مجال الطاقة وتحرير هذا القطاع نسبياً من يد الدولة، ومد جسور التعاون مع دول عديدة، ولا سيما في أميركا اللاتينية، وفي المنطقة، من أجل تعزيز التنمية في قطاعات النفط والغاز والتبادل التجاري.
ويندرج في هذا الإطار تعيين حسين نقره كار شيرازي نائباً للعلاقات الدولية لوزير النفط، الذي ستشمل مهماته التواصل مع الشركات والحكومات الأجنبية.
وربما لجأ نجاد الى ذلك بعد فشل محاولاته السابقة التي تمثّلت بتجميد أسعار بيع منتجات عديدة، بعد ارتفاعها بنسبة 16.1 في المئة، ورفع قيمة فوائد المصارف والإسراف في إنفاق عوائد النفط التي ارتفعت مع ارتفاع أسعار الذهب الأسود خلال المدة الأخيرة.
هنا لا يمكن فصل المشهد السياسي عن مجريات الوضع الاقتصادي المتفاقم، الذي يتجه نحو نسبة عالية من التضخم قد تصل في العام الجاري الى 22.4 في المئة، وفق دراسة للبرلمان الإيراني، وخصوصاً بعد أزمة تقنين توزيع البنزين الذي يُشكِّل مفارقة غريبة في بلد يستورد أكثر من 40 في المئة من حاجاته من هذه المادة المكرَّرة، على رغم أنه رابع دولة مُنتجة للنفط في العالم.
لقد حدَّد خامنئي ثوابت الحكومة الإيرانية بخصائص عديدة، لعل أبرزها التغيير والإصلاح الحقيقي والصمود أمام «الأطماع الاستكبارية»، بما ينسجم مع شعار نجاد الذي أطلقه قبيل تسلّمه مهماته عام 2005 حول التوزيع العادل للثروة. لكن السؤال يبقى حول إمكان الرئيس المحافظ التوفيق بين شعاراته في محاربة القوى العظمى واستمرار برنامجه النووي، وخططه الاقتصادية التي يحاول من خلالها تعزيز مواقعه قبل الانتخابات البرلمانية في ربيع العام المقبل، التي تتبعها انتخابات رئاسية عام 2009.