strong>حسن شقراني
دراسة جديدة تؤكّد «الجهوزية» الأميركية للحرب وتروّج لأسلوب «الصدمة والترهيب»

الحرب الأميركيّة على إيران، سيناريو تدور حوله نقاشات عديدة على الصعيد الدولي، وخصوصاً أنّ الرؤية في البيت الأبيض تقوّم الحال في الشرق الأوسط مثيلةً لتلك التي سادت خلال الحرب العالميّة الثانية. كيف سيُشنّ «الهجوم المحدّد»؟ هل يقتصر الاستهداف على أسلحة الدمار الشامل؟ وما دور إسرائيل ودول الخليج و«حزب الله» وحركة «حماس» و«الخلايا النائمة» في ميزان القوى ما بعد الانفجار؟ أسئلة تقارب أجوبتها دراسة مفصّلة بعنوان «الحرب على إيران: نقاش حول أسلحة الدمار الشامل في الشرق الأوسط».
وتلفت الدراسة التي أعدّها الباحث في «مركز الدراسات الدوليّة والدبلوماسيّة» في «معهد الدراسات الأفريقيّة والشرقيّة» اللندني دان بلش والمستشار الدولي لسياسات الأمن مارتن بوتشر، ونشرت مسوّدتها الثلاثاء الماضي، إلى أنّ حرباً تشنّها الولايات المتّحدة على إيران هي مسألة انتهى التدقيق في تفاصيلها، وتقضي بإطلاق هجوم صاعق على أساس «الصدمة والترهيب»، تُدمّر فيها «أسلحة الدمار الشامل» ومفاعلات الطاقة النووية والنظام والقوّات المسلّحة ومظاهر الدولة والبنية التحتية الاقتصاديّة في الجمهوريّة الإسلاميّة، في خلال «يوم واحد» إن لم يكن ساعات من «انطلاق المهمّة».
فالهجوم، تفترض الدراسة، سيكون على جبهات عديدة ولن يترك لطهران أيّ إمكان للرد من خلال الخيارات الانتقاميّة. وهو سيعتمد أساساً على القوّات الجويّة، مع استبعاد للاجتياح البري. وتوضح الدراسة أن القاذفات الأميركيّة («بي ـــــ 52»، «بي ـــــ 1»، «بي ـــــ 2»، «أ ف ـــــ 117 أيه»)، المتمركزة في قواعدها في بلدان الخليج والعراق وأفغانستان، تستطيع القضاء على 10 آلاف هدف خلال ساعات محدودة، إلى جانب القدرة التدميريّة الضخمة التي تسطيع القوّات البحريّة المنتشرة في الخليج العربي إحداثها مستخدمة صواريخ «توماهوك».
والضربة العسكريّة بالطريقة المذكورة سترفع، بحسب الدراسة نفسها، مبدأ «الصدمة والترهيب» إلى مستوى جديد تمتلك طهران عنده قدرات ضئيلة، وإن لم تكن منعدمة، للردّ من خلال إغلاق مضيق «هرمز» أو توفير الدعم العسكري التقليدي للميليشيات في العراق.
وإذا لم تكن المفاعيل كافية لـ«الشلل»، يمكن استخدام الجيل الأحدث من «القنابل الذكيّة» و«القنابل ذات القطر الضيّق»، التي زوّدت بها ترسانة القوّات الجوّية الأميركيّة، والتي تستطيع زيادة إلى حدّ 4 أضعاف حجم الأسلحة التي تستطيع المقاتلات حملها.
وتواكب هذه الضربات «الصاعقة»، بحسب الدراسة نفسها، تحرّكات عسكريّة تشارك فيها قوّات بريطانيّة و«مقاومة داخليّة» داخل الأراضي الإيرانيّة وبعض المناطق على الحدود مع أذربيجان وبلوشستان وكردستان وخوزستان، حيث فشلت إيران في السيطرة على أعمال الإضرار بأنابيب النفط في عام 2005.
وفيما استبعدت الدراسة استخدام الأسلحة النوويّة في الهجوم لـ«تكاليفها الباهظة على الصعيد الإنساني والسياسي والبيئي»، لا يزال تلقّي دعم القوّات الملكيّة البريطانيّة مشكوكاً فيه، على الرغم من حسم حكومة غوردن براون مسألة «ضرورة عدم حياز طهران القنبلة النوويّة».
«هذه مذكّرة تصف كيف سنسقط 7 أنظمة خلال 5 سنوات، بدءاً بالعراق وسوريا ولبنان وليبيا والصومال والسودان وانتهاءً بإيران». عبارة أوضحت الدراسة أن مسؤولاً في وزارة الدفاع الأميركيّة قالها لدى تسليمه مستجدّات الأوامر للجنرال الأميركي المتقاعد ويسلي كلارك، التي حُددت فيها استراتيجيّة الرئيس جورج بوش وإدارته في عام 2001. أوردها الكاتبان لتأكيد أنّ الحرب على الجمهوريّة الإسلاميّة و«أذرعها» في المنطقة محسومة. وتزيد هذه الفرضيّة صدقية تداول مقولة «نحن الآن في نقطة زمنيّة حيث تأهّبنا دائم... لدينا القدرة على التخطيط وتنفيذ الضربات في فترة 12 ساعة أو أقلّ» على حدّ تعبير الجنرال في القيادة الاستراتيجيّة في سلاح الجوّ الأميركي بروس كارلسون.
وبحسب الدراسة، فإنّ «الحكمة التقليديّة» عقب الهجوم على إيران تقضي بقيام الجمهوريّة الإسلاميّة بالردّ من خلال: 1 ـــــ تدمير البنية التحتيّة النفطيّة في بلدان الخليج. 2 ـــــ إطلاق الصواريخ على البلدان الخليجيّة وإسرائيل والقواعد الأميركيّة في العراق. 3 ـــــ دعم لـ «التمرّد» في العراق. 4 ـــــ هجوم يشنّه «حزب الله» و«حماس» على إسرائيل. 5 ـــــ دعم تمرّد في أفغانستان. 6 ـــــ قيام «الخلايا النائمة» بعمليّات في أوروبا والولايات المتّحدة وزعزعة الاستقرار في البلدان الخليجيّة التي تحوي أكثريّة شيعيّة.
إلّا أنّ الباحثين يدحضان التحليل على هذا النحو، معتبرين أنّ «الهجوم الصاعق» سيستهدف أيضاً القوّات الجويّة والبحريّة الإيرانيّة وصواريخ أرض ـــــ أرض وصواريخ الدفاع الجويّ، على الرغم من أنّ خياراً يبقى مطروحاً وهو اقتصار الاستهداف على «الحرس الثوري» وقوّات الـ«باسيج» والشرطة الدينيّة، وهو ما «يعطي دفعاً لإمكان تغيير النظام»، من خلال القضاء على مقوّماته العسكريّة.
أليست الحرب غير واردة؟
يشير بلش وبوتشر إلى أنّ السياق السياسي، كما يُنظر إليه من داخل البيت الأبيض، ينصّ على أنّ الوضع القائم في الشرق الأوسط يشبه إلى حدّ كبير «أجواء انخراطنا في الحرب العالميّة الثانية»، حسبما أوضح المندوب الأميركي السابق لدى الأمم المتّحدة جون بولتن حين شبّه «مشاكل» واشنطن في العراق بـ«القتال مع القوّات اليابانيّة» بعد الهجوم على ميناء بيرل هاربور في كانون الأوّل من عام 1941.
والحجج، المحصورة بـ 8، التي تفترض بديلاً عن المواجهة مع إيران، تُدحَض من منظور الكاتبين على الشكال الآتي:
1 ـــــ اتّباع إيران لطريقة «النموذج الليبي» ليست واردة بحكم أنّ التسوية مع طهران مرفوضة في المبدأ أميركياً، بدليل أنّ العرض الإيراني الذي قُدّم في عام 2003، ويحوي تسوية تمتدّ إلى الاعتراف بإسرائيل، رفضه البيت الأبيض حينها رفضاً قاطعاً.
2 ـــــ لن تستطيع الجهود الأوروبيّة لـ«تطويع» طهران بحيث يتماشى «وضعها» مع طروحات تل أبيب وواشنطن والوكالة الدوليّة للطاقة الذريّة، تحقيق شيء، خصوصاً أنّ مسؤولين رفيعي المستوى في واشنطن، مثل نائب الرئيس ديك تشيني ونائب وزيرة الخارجيّة روبرت جوزيف، لفتوا إلى أنّ مساعي الاتّحاد الأوروربي في هذا السياق «عقيمة».
3 ـــــ النظريّة العسكريّة القائمة في الإدارة الأميركيّة منذ عهد جورج بوش الأب، تنصّ على مبدأ «كمال طيف الهيمنة»، ولذا فإنّ نتيجة الهجوم على إيران ستكون محتمة «النجاح».
4ــــــ عناصر الجيش الأميركي منخرطون في تدريبات مستمرّة، وعلى الرغم من الانتشار في العراق، فإنّ عملية سريعة كالمفترضة ممنكة بالمعايير كلها.
5 ـــــ الوجود الاستخباري الأميركي على الأراضي الإيرانيّة يضعّف فرضيّة أنّ «النشاطات الإيرانيّة مخفيّة»، ويساعد في نجاح هجوم برّي محدود يُشنّ من أذربيجان وأفغانستان والعراق على الساحل الإيراني.
6 ـــــ نجاح الإيرانيّين في إحداث ثورة شيعيّة عراقيّة محدود جدّاً نظراً لانقسام الشيعة في بلاد الرافدين، وهو ما ظهر جلياً في حرب الخليج الأولى. كذلك الضغط الأميركي المتصاعد على سوريا يهدف إلى احتواء «حزب الله»، وبالتالي أحد أشكال النفوذ الإيراني.
7 ـــــ لن تقحم الحرب على إيران الولايات المتّحدة في ركود اقتصادي، لأنّ نسبة الإنفاق على التسلّح من الناتج المحلّي الإجمالي لا تزال عند نصف ما كانت عليه في حقبة الرئيس رونالد وهي 6.5 في المئة، والإنفاق على التسلّح أداة جيّدة لدفع عجلة الاقتصاد نحو النمو، حسبما تجتهد به الرأسماليّة الأميركيّة من طروحات الاقتصادي الإنكليزي جون ماينر كينز، وذلك رغم التقرير الأخير لمجموعة «آيه أن جي» الماليّة التي تقوّم تكاليف حرب مماثلة بأنّها «باهظة» إلى جانب الارتدادات المتمثّلة بارتفاع أسعار النفط لتقارب 85 دولاراً للبرميل الواحد.
8 ـــــ قلّة من الرأي العام الأميركي تعتقد أنّ النظام الإيراني ليس «دينياً متعصّباً يدعو إلى محو إسرائيل من الوجود»، لذا فإنّ معارضة في الشارع الأميركي للحرب مستبعدة. والحجّة نفسها تسقط على السياسيّين، إذ أعرب المرشّحان لنيل ترشيح الحزب الديموقراطي إلى رئاسة الجمهوريّة في العام المقبل، السيناتوران هيلاري كلينتون وباراك أوباما، عن استعدادهما، إذا وصل أيّ منهما إلى البيت الأبيض، لشنّ الحرب على الجمهوريّة الإيرانيّة، وذلك في ظلّ نأي الكونغرس بنفسه عن مشاركة في قرار إعلان الحرب، بحسب قرار أقرّه في الفترة الأخيرة.
الدعم الإسرائيلي «زائد عن الحاجة»!
يخلص التحليل إلى أنّ الحرب قائمة، وإن بصيغتها الباردة، وتطوّرها من خلال استخدام القوّة النوويّة مستبعد لتداعياته الكارثيّة على صعيد السياسة والعواقب الإنسانيّة، ولذا تصبح الضربات العسكريّة الهائلة «الخيار المعتدل». والولايات المتّحدة تمتلك القدرات والخطط لتطبيق المنصوص عليه في وثيقتي «استراتيجيّة الأمن القومي» و«الاستراتيجيّة القوميّة لمكافحة أسلحة الدمار الشامل» المقررتين للفترة بين عامي 2002 و2006. وبالتالي، فمن المنطقي اتّباع مبدأ «كمال طيف الهيمنة» لتنفيذ ضربة «الصدمة والترهيب» وتصعيد السيطرة لتقليص القدرة الانتقاميّة للجمهوريّة الإسلاميّة، وتحويل الدعم الإسرائيلي إلى «زائد عن الحاجة» يُستخدم فقط لاحتواء «حزب الله» و«حماس» أو القضاء عليهما.