موسكو ـ حبيب فوعاني
لم تشهد العلاقات الأميركية ــ الروسية منذ انتهاء «الحرب الباردة» توتراً بالمستوى الذي هي عليه اليوم، إذ إن لدى البلدين وجهات نظر متعارضة في شأن الكثير من الأمور، لعل أبرزها الدرع الصاروخية التي تعتزم الولايات المتحدة نصبها في أوروبا ومسألة استقلال كوسوفو، الأمر الذي يشير إلى أن المحادثات الأميركية ــ الروسية التي بدأت أمس في ولاية مين الأميركية لن تتطرق سوى إلى المشكلات


بعد أول لقاء بين الرئيس الأميركي جورج بوش ونظيره الروسي فلاديمير بوتين عام 2001، قال سيد البيت الأبيض إنه تمكّن من الغوص في أعماق نظيره الروسي، وإن هذا «الشاب» أعجبه. أمّا الآن، وفي أجواء لقائه بوتين، فقد أصبح بوش يتساءل عن إمكان التحرك إلى الأمام مع سيد الكرملين. إذ ليس سراً تراجع العلاقات الروسية ـــــ الأميركية إلى أدنى مستوى لها منذ ذلك الحين.
ويرى مراقبون أن اللقاء، الذي بدأ أمس في مزرعة آل بوش في كينيبانكبورت، في ولاية مين شمال شرق الولايات المتحدة، لا يستهدف تحسين العلاقات بين موسكو وواشنطن، بل منع تدهورها اللاحق.
وسعى الجانب الأميركي، منذ البداية، إلى التقليل من حجم النتائج المتوقعة من الزيارة، وأبلغ البيت الأبيض الصحافيين مسبقاً عدم صدور بيان مثير بعد اجتماع الرئيسين.
ولمّح البيت الأبيض إلى أن القمة التي أُطلق عليها اسم «الكركند» (وهو الطبق الذي تشتهر به كينيبنكبورت على شاطئ المحيط الأطلسي)، كانت بطلب روسي، إلا أن الرئيس الأسبق جورج بوش الأب اعترف بأنه هو من كان صاحب المبادرة، لأنه أراد أن «يجلس الرئيسان في بيت على البحر ويتحدثا بصدق وبعيداً عن الدخلاء».
وأكد بوش الأب أنه «هكذا فقط يمكن إقناع بوتين بأن الولايات المتحدة تريد مصادقة روسيا». وأضاف إنه يؤمن بالدبلوماسية الشخصية، وإن «رياضة صيد الأسماك هي وسيلة ممتازة للتعرف بعضهما على بعض عن قرب، كما عرفت أنا في حينه (الرئيس السوفياتي) ميخائيل غورباتشوف».
واستبق مساعد الرئيس الروسي للشؤون الدولية، سيرغي بريخودكو، اللقاء بتعداد مآخذ الجانب الروسي على «الشريك الأميركي»، وأهمها المتعلقة بمخاوف الكرملين من خطط البيت الأبيض لنشر عناصر منظومة الدفاع الصاروخية في أوروبا الشرقية، حيث لم تحصل موسكو حتى الآن على جواب جدي محدد على اقتراحها الاستخدام الأميركي ـــــ الروسي المشترك لمحطة الرصد الراداري الروسية في منطقة «غابالا» الأذربيجانية.
ويقلق موسكو أيضاً مصير معاهدة الأسلحة الهجومية الاستراتيجية، التي ينتهي سريان مفعولها في 5 كانون الأول 2009. وبحسب بريخودكو، سيحرص الرئيسان على تحديد إطارات اتفاقية جديدة على هذا الصعيد.
كما ينوي بوتين مناقشة عدد من المشاكل الإقليمية مثل كوسوفو، والشرق الأوسط وإيران وكوريا الشمالية.
بيد أن مساعد الرئيس الروسي مفعم بالتفاؤل، ويقول «ليس لدينا أي شكوك في إيجابية الحوار مع جورج بوش. إنه شريك جدير بالاحترام، ومن الجيد العمل معه».
ويتفق مع بريخودكو رئيس لجنة الشؤون الدولية في مجلس الاتحاد ميخائيل مارغيلوف، الذي يؤكد أنه «ستكون للقمة حتماً حصيلة ما.. ويجب تعزيز جو الثقة على الرغم من التصريحات الحادة الأخيرة».
وخلافاً لتفاؤل السلطات الروسية، يخيّم تشاؤم في واشنطن على نتائج اللقاء بين الرئيسين. وقد حرص المتحدث باسم البيت الأبيض طوني سنو على تهيئة الصحافيين لعدم توقّع نتائج فعلية من القمة. وقال «هذه هي فقط فرصة للزعيمين للتحدث بعضهما إلى بعض بصراحة، وليس لديهما حتى برنامج محدد للقاء».
ورغم استعداد الجانب الروسي لمناقشة مشكلات الديموقراطية في روسيا، وفقاً للمصادر الأميركية، قرر الأميركيون في آخر لحظة عدم التطرق إلى موضوعهم المحبّب، وذلك «لأن إمكاننا للتأثير على روسيا في هذا الموضوع انخفض إلى حد كبير».
ومن الممكن أن تتحوّل القمة إلى حديث ودي بين الرئيسين خلال صيدهما الأسماك على شاطئ المحيط الأطلسي، لكنّ ذلك ليس مرتبطاً بوضع العلاقات بين البلدين بل «لأن رأسَي الزعيمين مشغولان بأفكار أخرى. بوتين مهتمّ باختيار خلف له وبوش بالانتخابات الرئاسية المرتقبة»، كما صرح المحلل السياسي الأميركي ستيفين بايفر. ولم ينفِ ميخائيل مارغيلوف ذلك؛ وقال بريخودكو إن «إغواء استخدام العلاقات الروسية ـــــ الأميركية يزداد في دوامة الحملات الانتخابية لدى القوى السياسية في البلدين كليهما كموضوع مربح لهذه الحملات».
ويعبّر المسؤولون الأميركيون، في أحاديثهم الخاصة، عن رغبتهم في رؤية نائب رئيس الوزراء الروسي ديميتري مدفيديف الليبرالي، خلفاً لبوتين لا جنرال الاستخبارات السابق ونائب رئيس الوزراء سيرغي إيفانوف. غير أن الساحر بوتين، المعروف بعدم خضوعه للضغوط من أي جانب أتت، ربما أخرج من قبعته «أرنباً» جديداً «يدهش به العالم»، فيما لم يستبعد زعيم الحزب الشيوعي الروسي غينادي زيوغانوف أن يكون أناتولي سيرديوكوف، الذي جاء به بوتين من عالم تجارة المفروشات المجهول وعيّنه وزيراً للدفاع، خليفة له.
ويدلّ عقد اللقاء في هذا الوقت على أن موسكو وواشنطن تعلقان عليه آمالاً بالنسبة إلى أمرين عاجلين: بوتين ينتظر أن يعطيه بوش رداً واضحاً على اقتراحه بالاستخدام المشترك لمحطة الرصد الراداري الروسية في أذربيجان في مقابل تخلي الولايات المتحدة عن نشر الصواريخ الاعتراضية الأميركية في بولندا وعن نصب محطة الرادار في تشيكيا، أما بوش فإنه يريد أن يعرف ما إذا كانت روسيا ستصوّت بالموافقة على قرارين لمجلس الأمن الدولي يمنح أحدهما الاستقلال لكوسوفو ويقضي ثانيهما بتشديد العقوبات على إيران، وما هو الثمن الذي تطلبه روسيا في مقابل موافقتها على ذلك.
وتقول مصادر مقربة من المفاوضات إن اتفاقاً سيعلن عنه قريباً في شأن التعاون في مجال الطاقة النووية السلمية والحؤول دون انتشار الأسلحة النووية.