برلين ــ غسان أبو حمد
تزامن الحديث عن احتمال وقوع أعمال إرهابية في بريطانيا مع حالة الخوف والقلق التي تعيشها ألمانيا حالياً، ولا سيما بعد امتلاك الاستخبارات الألمانية معلومات، بينها أشرطة مصوّرة لمعسكرات تدريب على الإرهاب في باكستان، والقبض على مواطنين ألمان اعتنقوا الديانة الإسلامية في مراكز جمعيات دينية في المدن الألمانية، كانوا مكلّفين مهمات إرهابية على الأراضي الأوروبية، الأمر الذي دفع بعض المحافظين الى رفض «المساواة القانونية» بين المسلمين والمسيحيين.
وترافقت هذه التطوّرات والوقائع الأمنية مع عدد من التقارير السرية التي تسلّمتها المراجع الألمانية قبل نحو عشرة أيام من وكالة الاستخبارات الأميركية (سي آي أي)، تتضمن اعترافات أدلى بها بعض المعتقلين، في شأن تكليفهم تنفيذ أعمال إرهابية على الأراضي الألمانية.
واستناداً إلى هذه المعطيات، اتخذت السلطات الأمنية الألمانية سلسلة إجراءات مشدّدة انتهكت الحقوق والحريات الشخصية، فيما لا تزال وزارة الداخلية على موقفها الرافض لكشف «محتويات» التقارير والأدلة التي بحوزتها والتي تبرّر رفع منسوب الاستنفار داخل البلاد. وعند مواجهة سكرتير وزارة الداخلية بتهمة خرق هذه الإجراءات الأمنية المشددة المقيّدة للحريات والحقوق الشخصية التي يكفلها الدستور، يكتفي بتكرار قاعدة العمل التي تعتمدها وزارة الداخلية لرسم سياسة مواجهة الإرهاب، ومفادها: «إن الشكّ المبكر. أفضل من اليقين المتأخر».
ليلة السبت في 23 حزيران الماضي، كانت الإضاءة لافتة في مبنى المستشارية الألمانية، الذي ضمّ أول اجتماع سري رفيع المستوى منذ هجمات الحادي عشر من أيلول 2001 في نيويورك.
لقد جلس إلى «طاولة العمل الأمني» كل من مدير مكتب المستشارية الألمانية توماس دي ميزيار، مع مستشاري وزارات الداخلية والخارجية والدفاع، لمناقشة العديد من النقاط الحساسة التي تلامس حرية وحقوق المواطنين، أبرزها يتعلّق بكيفية «مراقبة شبكات الانترنت وإباحة التنصّت على خطوط الهاتف ونصب كاميرات سرية في أماكن التجمع العامة، بما في ذلك الحدائق والمطارات ومحطات السفر، وصولاً إلى المدارس والمستشفيات».
خلاصة المشاورات الأمنية في مكتب المستشارية، دفعت بمستشار وزارة الداخلية الألمانية أوغست هانينغ إلى توقع أعمال إرهابية وبالتالي، دعوة المواطنين الألمان لليقظة والحذر.
الفصل الثاني في تعزيز المخاوف جاء بعد اعتراف مواطن ألماني مسلم في اليوم الأخير من الشهر الماضي بأنه تدرب على السلاح وتفجير القنابل والأحزمة الناسفة، في معسكر تدريب على الحدود الباكستانية، إضافة الى عملية إلقاء القبض على الحدود الباكستانية ـــــ الإيرانية على مواطن باكستاني ـــــ يحمل الجنسية الألمانية، يدعى تولغا د. ومواطن لبناني يدعى حسين م. (يحمل جنسية قيد الدرس ويقيم مؤقتاً في منطقة السارلاند) وبحوزتهما كمية من الأموال وجوازات سفر مزورة وهواتف نقالة تلتقط شبكة الانترنت، واعترافهما بتكليفهما القيام بأعمال إرهابية في ألمانيا وأوروبا، وفقاً لما ذكرت مجلة «درشبيغل» امس.
وفي السياق ذاته، واستناداً إلى معلومات نشرتها صحيفة «دي تسايت»، فإن التحقيقات مع المتهمين وأيضاً محتويات بعض التقارير الأمنية، كشفت أن بعض مراكز الجمعيات الإسلامية في المدن الألمانية، وتحديداً مركز الجمعية الإسلامية في مدينة «أولم»، حيث كان بعض المعتقلين يرتاده، مثّل منبراً لتغذية الأعضاء بروح الكراهية للأجنبي وباعتماد «قتل الكفار» طريقاً قصيراً للجنّة.
في هذا المناخ الأمني من القلق والخوف، شعر المسلمون في ألمانيا، وهم الجالية الأجنبية الأكبر عدداً (أربعة ملايين، معظمهم من اصول تركية) بأنهم عرضة لحملة «تجريم» شاملة، نتيجة الإجراءات التي تضع حركتهم تحت المراقبة الدائمة، وعزّز هذا الشعور، رفض بعض رجال الدين المسيحي، ومنهم الكاردينال الكاثوليكي كارل ليمان، وبعض قيادات الحزب المسيحي الديموقراطي الحاكم، فكرة المساواة القانونية بين الإسلام والمسيحية، بينما أكد مدير معهد حقوق الإنسان المحامي هاينر بيلفلت وقيادات مسيحية أخرى، في مقابلة صحافية مع «وكالة الأخبار الألمانية» أن لا فرق بين دين وآخر أمام القانون الألماني.