بول الأشقر
مع إعلان الرئاسة الأرجنتينية أمس أن الرئيس نستور كيرشنير لن يترشح للانتخابات الرئاسية في تشرين المقبل، انتهى اللغز الذي كان يحيّر السياسة الأرجنتينية منذ سنتين لمعرفة من سيكون مرشح المشروع الاستمراري: كيرشنير أم زوجته كريستينا فرنانديز. والآن، تبدأ اللعبة التي تنتهي، أو ينتهي فقط شوطها الأول، في الثامن والعشرين من شهر تشرين الأول، بعد فتح صناديق اقتراع الدورة الأولى.
يلقّب كيرشنير في الأرجنتين بالبطريق، نسبة للولاية التي حكمها قبل الوصول إلى الرئاسة، وهي ولاية سانتا كروز الصغيرة النفطية القريبة من القطب الجنوبي، وينطبق عليه هذا اللقب، بسبب شكل وجهه المستطيل.
ومنذ انتخاب كريستينا إلى مجلس الشيوخ في العاصمة الاتحادية قبل سنتين، روّج الرئيس لاحتمال ترشيح زوجته عندما كان يردد في الأحاديث والمهرجانات أن مرشح الاستمرارية سيكون «بطريقاً.... أو بطريقة».
وقرار البطريقة ممكن في الأرجنتين لأن المحامية كريستينا، (54 سنة)، شخصية سياسية قائمة بذاتها. وبعد أن ناضلت أسوة بزوجها في مجموعة «المونتونيروس» المسلحة في السبعينات، انتخبت تباعاً إلى مجلس الشيوخ ومجلس النواب عن ولاية سانتا كروز قبل أن تقرر القفز باتجاه العاصمة. زد على ذلك أنها في الواقع إحدى أهم مستشاري الرئيس كيرشنير.
خلال السنة الماضية، جالت فرنانديز على الولايات المتحدة وأهم دول أميركا الجنوبية وأوروبا. وستطلق ترشيحها في التاسع عشر من تموز في مهرجان كبير تكون فيه الخطيبة الوحيدة في مدينة سانتا في، مكان ولادتها، وعاصمة الولاية القريبة من العاصمة.
وبإعلان ترشيح فرنانديز، تكتمل اللوحة الانتخابية التي ستتألف من مرشح اليمين لوبيز مورفي ومرشحة اليسار إليزا كاريو ومرشح الوسط وزير الاقتصاد السابق روبرتو لافانيا الذي أسهم في إخراج الأرجنتين من الهوة التي وقعت فيها نهاية عام 2001، وقد استبدله كيرشنير بعد الانتخابات التشريعية عام 2005، وربما أيضاً الرئيس السابق كارلوس منعم، الذي قال الأسبوع الماضي إنه يفكر في الموضوع.
والسؤال الحقيقي اليوم، قبل أربعة أشهر من الانتخابات، يدور حول حصول دورة ثانية أو عدمه. والقانون الأرجنتيني ينص على أن من يحصل على 46 في المئة من الأصوات من الدورة الأولى أو على 40 في المئة وبفارق 10 في المئة على خصمه الأول ينتخب رئيساً، وإلا تجرِ دورة ثانية بين الأولين.
في عام 2003، بعد الدورة الأولى، حصل منعم على 24 في المئة من الأصوات، وكيرشنير على 22 في المئة، وانسحب منعم قبل إجراء الدورة الثانية لأن كل استطلاعات الرأي كانت تقدره خاسراً بنسبة مهينة. هذه المرة، ترى استطلاعات الرأي أن انتخاب كيرشنير أو زوجته مرجحاً من الدورة الأولى، من دون أن يكون ذلك أكيداً.
ومن الجدير القول إن المشهد السياسي الأرجنتيني هو مجال استقطاب بين تيارين منذ عقود طويلة؛ الحزب البيروني والحزب الراديكالي. لكن الحزبين شاخا، وهما بالرغم من نفوذهما الانتخابي، وخصوصاً المناطقي، لا يعبران عن المفاصل السياسية الراهنة: في عام 2003، كانت المعركة الانتخابية بين ثلاثة مرشحين بيرونيين، وفي الانتخابات المقبلة سيكون المرشح لمنصب نائب الرئيس في لائحة فرنانديز ولافانيا من صفوف الحزب الراديكالي.
أما كيرشنير وفرنانديز فهما عضوان في الحزب البيروني، لكن الأكثرية التي تؤيدهما هي مزيج من بيرونيين وراديكاليين وحركات شعبية ومنظمات حقوق إنسان.
ويقول كيرشنير إنه سيستفيد من السنوات الأربع المقبلة لتحديث الحياة السياسية وخلق أطر جديدة تعبر عن خيارات سياسية مستقبلية.
ويمثل مشروع كيرشنير الابتعاد عن الولايات المتحدة والاقتراب من رؤساء أميركا الجنوبية، وخصوصاً اليساريين، والتحزب لحقوق الإنسان في قضايا العدالة التي ما زالت عالقة منذ الحكم العسكري، والانبعاث الاقتصادي خارج وصفات صندوق النقد.
وقد أدت الهزائم الانتخابية المتتالية التي تلقاها مرشحو كيرشنير في الأشهر الأخيرة دورها، وآخرها خسارة العاصمة أمام اليميني ماكري «برلسكوني» الأرجنتين، في تسريع قرار ترشيح فرنانديز.
يتساءل المراقبون إذا كان ترشيح فرنانديز (البطريقة) اعترافاً لدى كيرشنير بالضعف، أو على العكس، استعادة المبادرة لتعميق المشروع التحديثي الذي تجسده هي بكفاءة لا تقل عنه.