كابول ــ شارلوت آغارد
رغم حجم الاستثمارات الهائل، لا تزال إعادة إعمار أفغانستان تسير ببطء شديد. بدأ معها الأفغان يفقدون الصبر، لكن قلّة المستثمرين والفساد المضني يهددان محاولات إعادة واحد من أفقر بلدان العالم إلى الحياة


في أفغانستان، يعرف جو ب. ليثروود (70 عاماً) باسم «مستر جو». إنه واحد من رجال الأعمال الأميركيين القلائل العاملين في أفغانستان. رغم بدء عمليات إعادة البناء منذ نحو خمسة أعوام ونصف العام، والحصول على مليارات الدولارات من المساعدات الدولية مع جيش من المستشارين، يبدو أنه لا أحد يرغب في الاستثمار في هذا البلد الفقير. الصناعة المحلية شبه غائبة، عدا صناعة الأفيون بالطبع.
تستورد المصنوعات الغذائية ومواد البناء والأدوات بمعظمها من الدول المجاورة، وخصوصاً باكستان وإيران، ما يعني أن النهوض الاقتصادي الذي ينتظره الأفغان فشل في التحول إلى حقيقة. فمستويات البطالة لا تزال خيالية ويعيش قسم كبير في ظل أوضاع تقترب من المجاعة.
قدّم «مستر جو»، مدير شركة «جي بي أل كونستراكشون للبناء»، مئات الوظائف إلى الأفغان خلال السنوات الثلاث الأخيرة، لكنه يملك تفسيراً مقنعاً لصعوبة تقدم الاقتصاد الأفغاني، ويقول: «هناك أسباب لرفض الناس الاستثمار هنا. أولاً، الوضع الأمني خطر للغاية، فيجد المستثمرون أن أفغانستان خطرة. ثم، إن أردت إنشاء شركة في أفغانستان، فعلينا إيجاد شريك أفغاني يملك 50 في المئة من الشركة، قبل أن تلجأ إلى الحيل للعمل. وهذا قد يصبح مكلفاً للغاية. أخيراً، عليك أن تكون مستعداً للعمل في ظل أوضاع مختلفة كثيراً عن الأوضاع في الغرب، ولا تجد الكثير من الأجانب المستعدين لذلك». عملياً، هذا يعني أن «مستر جو» لا يعلم أبداً إن كان موظفوه سيأتون إلى العمل.
يتابع ليثروود: «أدفع لموظف من دون خبرة أو حرفة ستة دولارات في اليوم، أي ما يعادل ضعف ما يتقضاه الشرطي أو المدرس. من جهة أخرى، لا يحضر بعض الموظفين إلا يومين في الأسبوعين، فقد اكتسبوا ما يكفي لإطعام عائلاتهم ولا يرون سبباً للذهاب إلى العمل». ويضيف: «إن مرض أحد أطفال موظف عندي، يذهب هو لنقل الطفل إلى المستشفى لأن زوجته مضطرة للبقاء في المنزل مع الأطفال الآخرين. إن كان أحد الأنسباء مريضاً أو محتضراً ويعيش في مكان بعيد، الرجل هو من يذهب كذلك، ولا يعود قبل أسبوعين أو ثلاثة إلى العمل. إن وظفت عاملاً آخر في هذه الأثناء، يتعرض للضرب والطرد من الموظفين الآخرين عند عودة زميلهم القديم».
رغم المصاعب، يقول «مستر جو» إنه مستعد للبقاء في أفغانستان لسنوات. ويشرح: «وافقت عائلتي على أن أمضي 10 سنوات لدفع ثمن الكثير من النعم التي أغدقها الله علينا». وقد بدأ حتى الآن أعمال البناء وإعادة الإعمار للجيش الأميركي بتمويل من المساعدات الأميركية.
كما أنه يعمل على زراعة خضار في بيوت زجاجية للجيش الأميركي. وستكون اليد العاملة من الأرامل والمطلقات، وهن الأكثر فقراً في البلاد.
إضافة إلى هذا، فقد تكفّل بإعالة عائلة أفغانية بشراء منزل جديد لها ودفع تكاليف تعليم جميع الأطفال، وقد جعل الابنة البكر وريثته الوحيدة في حال حصول مكروه له. ويقول جو مبتسماً: «حالياً، تدرس في الولايات المتحدة، لكن الاتفاق هو أن تدخل الشركة لتلقي التدريب عند عودتها. في البداية ستتولى إدارة البيت الزجاجي قبل أن تتسلم إدارة الشركة بأكملها مع الوقت وستتعلم السياسة ربما تصبح من الوزيرات في أفغانستان، من يعلم؟».
الرشوة تدير كل شيء
رغم كونه أميركياً، لا يشعر «مستر جو» بأنه في خطر في أفغانستان، ويؤكد: «أسافر كثيراً وعندي مشاريع في مختلف أنحاء البلاد، حتى في قندهار في الجنوب. أجتمع بحركة طالبان لكني أتصرف دائماً على الملأ. حين أذهب إلى الجنوب، أرتدي اللباس الأفغاني التقليدي، وأبقى في منازل خاصة بالأمم المتحدة وأتصرف بتهذيب مطلق. لم أتلق أي تهديدات، وقد أطلقت لحيتي لهذا السبب»، يقولها ضاحكاً وهو يشد على لحيته الطويلة المائلة إلى اللون الرمادي.
ويضيف جو: «بالإجمال، لست خائفاً. أؤمن بالمكتوب، وقد أموت نائماً في سريري أو في طريقي إلى قندهار». ويشير إلى أن من المهم احترام الثقافة الأفغانية «إن كان المرء من الغرب وينوي العمل في هذا البلد المحافظ إلى أقصى الحدود».
ويرى «مستر جو» الفساد جزءاً من هذه الثقافة، وهو منتشر في فئات المجتمع الأفغاني «إن أردت العمل، فعليك دفع المال في كل الجهات. أحاول تفادي الأمر بقدر المستطاع، لكني أضطر للدفع أحياناً. إن أردت نقل شاحنة محملة بالإسمنت حتى جنوب أفغانستان، فعلي دفع رشوة لجميع الحواجز التي ينصبها الطالبان مثلاً. وإن رفضت، يقفزوا على الشاحنة ويبدأوا بتمزيق الأكياس بالسكاكين، حتى أدفع. عند الحاجز الثاني، يكونون قد تلقّوا الخبر وجهزوا السكاكين. لكن، إن دفعت في المرة الأولى، من دون تذمر، استقبل عند الحاجز التالي بعبارة أهلاً، مستر جو. هذه هي أفغانستان، وعليك التعايش مع هذا الوضع. يمكنك نفي دفع الرشوة، لكن هذا يزيد الأمور سوءاً».
طرق غير معبدة وطائرات قليلة
لا تزال مشاريع البنى التحتية الكبرى التي تسمح للمزارعين ورجال الأعمال الأفغان بنقل منتجاتهم إلى السوق أو خارج البلاد، في مراحلها الأولى. لا تنتشر الطرق المعبدة إلا في العاصمة كابول ومدينتين أو ثلاث غيرها. تتصل معظم المدن ببعضها بطرق غير معبدة وبدائية، مع غياب تام للسكك الحديدية، فيما لا تقدّم المواصلات الجوية سوى بضعة رحلات غير ثابتة. كما أن التيار الكهربائي ليس ثابتاً. وقد حصلت كابول أخيراً على التيار الكهربائي لساعتين يومياً فقط.
عاد بعض رجال الأعمال الأفغان المنفيين في الولايات المتحدة وأوروبا وكندا، لكنهم يستثمرون في مشاريع مربحة لا قيمة لها على الصعيد الشعبي.
الخبر السار هو انطلاق الأعمال في مختلف أنحاد البلاد. ففي مطار كابول، تستمر أعمال الترميم بكل طاقتها. قد يحتاج خمسة رجال لساعات لتثبيت أحد الأعمدة الحديدية لقاعة الانتظار الجديدة، بواسطة الحبال، لكن الأعمال تتطور يومياً.
شارف العمل على الطريق السريع بين كابول ومدينة مزار الشريف عبر ممر سلانغ على الانتهاء. في أكثر من مكان، جرفت الطريق بالمياه السائلة من الجبال أوائل الربيع، لكن المشروع شارف على نهايته، وبقي تعبيد بعض الطرق.
كما يتقدّم العمل على مشروع كهربائي ضخم، يمر تحت طريق سلانغ. وتمتد على مدى النظر أعمدة معدنية ستنقل أطناناً من الكابلات الكهربائية عبر الثلوج فوق جبال هندوكوش.
هذه هي ظروف إعادة إعمار البلاد، وهذا وحده كاف لإبقاء المستثمرين بعيدين.

بطاقة تعريف

ـــــ أفغانستان جمهورية تضم 34 إقليماً
ـــــ يرأسها حميد قرضاي وبرلمان بمجلسين
ـــــ مساحتها: 647.500 كلم مربع (بمساحة فرنسا، وضعف حجم الدانمارك)
ـــــ عدد السكان: 30 مليون نسمة
ـــــ زيادة في عدد السكان: 2.6 في المئة
ـــــ النمو: 8.6 في المئة عام 2006
ـــــ الناتج الإجمالي المحلي: 990,812,466 دولار
ـــــ 53 في المئة من السكان يعيشون تحت خط الفقر (2003)
ـــــ المساعدات الخارجية: وعدت أكثر من 60 دولة ومؤسسة مالية دولية بمنح تسعة مليارات دولار
ـــــ الحد الأدنى للمدخول: 70 دولاراً في الشهر
ـــــ متوسط العمر: 43 عاماً
ـــــ معدل الوفيات عند الأطفال: 15.7 في المئة (عام 2007)
ـــــ العمر: 45 في المئة من السكان تحت الـ14 عاماً
ـــــ الأمية: 50 في المئة عند الرجال و80 في المئة عند النساء.