(نص مترجم)

هآرتس ـ الوف بن

يمكن المجادلة عن تسبّب حرب لبنان الثانية بإضعاف مكانة اسرائيل الإقليمية، التي ارتكزت في الماضي على سياسة الردع، أو بتقريبها، في مقابل ذلك، من التحالف مع الأنظمة العربية التي تخاف ايران، وتمخّضها عن فرص جديدة للتوصل الى السلام. إلا أنه لا خلاف على النتائج السياسية الداخلية الناجمة عن الحرب التي حدثت في الصيف الماضي: فقد قضت على «الانفجار الكبير» الذي بشر بخريطة حزبية جديدة ومغايرة وانتهى بنفخة واحدة.
فانتخاب ايهود باراك رئيساً لحزب «العمل» ودخوله الى الحكومة كوزير للدفاع يُعيدان إسرائيل الى المشهد الحزبي الثنائي. المنافسة في الانتخابات المقبلة ستكون بين «الليكود» و«العمل»، بين بنيامين نتنياهو وباراك. «كديما»، حزب «الانفجار الكبير» قد يبقى كبيضة القبان العلمانية بين القوتين الكُبريين، لكن يبدو أن هذا الحزب لن يقود الدولة لفترة تتجاوز الولاية الحالية. الحزب التابع له، حزب المتقاعدين، سينكمش حتى حافة الاختفاء.
الحرب هي المسؤولة قبل كل شيء عن هذا التغيّر. فقد دمرت صورة رئيس الوزراء ايهود اولمرت، وشطبت عن جدول الأعمال الجماهيري فكرة الانطواء الأحادي الجانب في الضفة الغربية، التي كانت في قلب برنامج «كديما». الحرب حولت حكومة اولمرت الى حكومة انتقالية تقوم على أحابيل ومناورات البقاء. كما أنها أعادت باراك، الذي عدّ قبل ذلك عبئاً سياسياً، إلى قيادة الدولة، فقط بسبب التطلّع إلى شخصية أمنية في القيادة وخيبة الأمل من «حكومة المدنيين».
«الليكود» هو الذي حصد المكاسب السياسية الفورية، بعدما أخذ صورة الحزب اليميني التآمري بعد الانقسام الذي حصل في صفوفه وإنشاء حزب «كديما». الآن سيحاول باراك إيقاف حزب «العمل» على قدميه في مواجهة «الليكود»، مراهناً على تلميع صورته من خلال بعض الخارجين من «كديما» قبل الانتخابات.
من السخرية بمكان أن نرى أن الأفكار والأسباب التي دفعت اريئيل شارون قبل عامين الى «الانفجار الكبير» بتشجيع حاييم رامون وأولمرت، ما زالت ذات صلة اليوم كما كانت حينئذ. اسرائيل ما زالت بحاجة الى حدود جديدة في الشرق، حتى تُنهي الاحتلال في الضفة، وتخفّف الخوف الديموغرافي. الدولة بحاجة أيضاً الى جهاز سياسي أكثر استقراراً قادر على أداء وظيفته، وخصوصاً بعدما كشفت الحرب محدودية طريقة «التجاور» القديمة.
برهن اولمرت على أن هناك امتيازات هامة للحكم من الوسط. هو أقل تعرضاً للصراعات الإيديولوجية اليسارية ـــــ اليمينية، مقارنة بالمنظومة الحزبية الثنائية السابقة. الانتقادات الموجهة لاولمرت تتمحور حول قيادته لا حول مواقفه، والمعارضة تجد صعوبة في إثارة حماسة الجماهير اللامبالية. الثمن الذي يدفعه اولمرت يكمن في كبح دافعيته وقدرته على الإقدام على خطوات سياسية وإصلاحات اقتصادية وادارية خشية انهيار الائتلاف الحاكم.
حزبا «العمل» و»الليكود» أدركا الرسالة التي أرسلها إليهما الجمهور الذي كان قد رفع «كديما» الى سدة الحكم على حسابهما، ويحاولان الآن ملاءمة أنفسهما مع روح العصر والتزحزح نحو الوسط. حزب «العمل» نصّب باراك على رأسه، الذي يقدم صورة أمنية عسكرتارية ويكبت ضلوعه الماضي في العملية السلمية. نتنياهو لم يتنازل عن إيديولوجيته ولا عن المناطق والمستوطنات، لكنه يُركز على مراقبة ما تفعله ايران، هذه القضية التي لا خلاف شعبياً عليها.
الأصوات العائمة في الوسط هي التي تحسم نتائج الانتخابات. في الانتخابات المقبلة، سينتصر من ينجح في جرّ أكبر عدد من الناخبين من الاحتياطي الهائل في «كديما» والمتقاعدين الى جانبه، وبدرجة أقل أيضاً من «اسرائيل بيتنا».