موسكو ــ حبيب فوعاني
بينما كانت الشائعات تروّج في الأوساط السياسية والإعلامية في موسكو عن تقلقل تحت مقعد وزير الخارجية سيرغي لافروف بسبب ما قيل عن ضعف أدائه في منصبه، جاءت استقالة سكرتير مجلس الأمن الروسي إيغور إيفانوف، التي أصبحت شبه محسومة، لتثير في أوساط المحلّلين والخبراء الروس تساؤلات كثيرة، لا تزال تتوالى، حول أسبابها ودوافعها


في ظلّ حمّى انتظار خليفة الرئيس فلاديمير بوتين، التي تضرب النخبة السياسية الروسية، فإنّ أي افتراضات متعلقة، ولو من بعيد، بموضوع الانتخابات الرئاسية للعام المقبل تجد لها صدى واسعاً لدى المراقبين. وبالنسبة لإيغور إيفانوف، فقد أسرع بعض المحلّلين إلى تتويجه مرشّحاً لخلافة بوتين، إلى جانب النائبين الأوّلين لرئيس الحكومة الروسية سيرغي إيفانوف ودميتري مدفيديف، ورأوا أنّ استقالته هي لتحريره من أعباء منصبه ولإعداده لهذا الدور.
غير أنه من المستبعد أن يقبل صقور الكرملين، التي ترجّح كفّتهم الآن، بإيفانوف كمرشح لمنصب الرئاسة. ولا سيّما أنّهم لم يكونوا راضين عن أدائه كوزير للخارجية وكسكرتير لمجلس الأمن الروسي، بعدما اتّبع، برأيهم، خطاً متساهلاً وليّنا مع الغرب.
وذكر مراقبون أن إيفانوف كان ينوي تقديم استقالته بنفسه لأنّه، بعد «خطاب ميونيخ»، الذي ألقاه بوتين في المؤتمر الدولي للأمن في هذه المدينة الألمانيّة في شباط الماضي، لم يوافق على الخط السياسي الروسي الجديد المتشدّد مع الغرب.
ويبدو أنّ جهات نافذة عجّلت بدفع الدبلوماسي السابق إلى هذه الاستقالة، إلّا أنّ ذلك لم يكن مرتبطاً على أيّ حال بخلافة بوتين، إذ تشير مصادر مطلعة إلى أنّه لم يستطع معالجة إحدى المهمات القليلة التي ألقيت على عاتقه، وهي الملف النووي الإيراني، ولذلك لمحت له هذه الجهات بضرورة المغادرة.
وتأخذ هذه الأوساط على إيفانوف إدارته الضعيفة لهذا الملف مع واشنطن وانحناءه أمام رغباتها. ويذكر هؤلاء زيارة إيفانوف إلى الولايات المتحدة في بداية كانون الأول الماضي، التي أحيطت بتكتّم شامل، وانتهت بتسوية مع الأميركيين كانت نتيجتها إصدار مجلس الأمن الدولي للقرار 1737 بشأن إيران، الذي اعتبره المراقبون فاتحة للتفريط بالورقة الإيرانية من دون مقابل.
بيد أن أكثر ما أثار هؤلاء هو إدارته للمفاوضات مع نظيره الإيراني علي لاريجاني، إذ كانا يتبادلان الزيارات ويجريان المباحثات بانتظام. لكن طهران، وبحسب صحيفة «أرغومينتي نيديلي» الروسيّة، «فازت علينا بجميع النقاط»، ولم تتراجع عن أيّ من مواقفها قيد أنملة.
وبحسب الخبراء، فإنّ رؤيا إيفانوف لمشكلات الشرق الأوسط والخليج العربي قد تقادم عليها الزمن، وأنه لم يستطع إظهار الصلابة الضرورية للدفاع عن المصالح الروسية. ويؤخذ عليه أنّ مجلس الأمن الروسي، الذي تحوّل في عهده إلى مركز تحليلي، لم يستطع حتى التنبؤ بالأحداث الأخيرة في غزة.
أما بالنسبة للافروف، فقد لاحظ المراقبون تشدّد لهجته المعادية للغرب في اجتماع وزراء خارجية «منظمة شنغهاي للتعاون» في التاسع من الشهر الجاري في العاصمة القرغيزستانية بيشكك، وكذلك دعوته، وفق مصادر مطلعة، إلى إشراك إيران، وهي عضو مراقب في المنظمة، في نشاط هيئة مكافحة الإرهاب الإقليمية في المنظمة ومجلس الأعمال والتجارة ونادي الطاقة التابع للمنظمة.
وليس سرّاً أنّ طهران تسعى منذ العام الماضي إلى الحصول على العضوية الكاملة في المنظمة. ولم تقف روسيا ضدّ ذلك، بل حاولت مساعدتها في قمّة المنظمة في العام الماضي. إلّا أنّ الصين تراجعت في اللحظة الأخيرة ورفضت انضمامها.
وفي ما بعد، فترت رغبة موسكو نفسها بالنسبة لإيران. وعاد لافروف الآن إلى طرح هذه الفكرة في ضوء السياسة الروسية الجديدة المتشدّدة حيال الولايات المتحدة.
وإضافة إلى ذلك، تؤكّد المصادر الإعلامية أنّه سيشار إلى الخطط الأميركية لنصب عناصر منظومة الدفاع الصاروخية في بولندا وتشيكيا في البيان الذي أعدّه وزراء الخارجية لقمّة رؤساء دول «منظمة شنغهاي» في منتصف الشهر المقبل، كأحد العوامل التي تهدّد أمن أوراسيا. وأشار لافروف، في هذا السياق، إلى أنّ «عواقب الخطوات الأحادية الجانب للولايات المتحدة في هذا المجال ستنعكس هنا أيضاً، إذا أخذ بالحسبان قوام أعضاء المنظمة وأعضائها المراقبين (إيران وباكستان والهند ومنغوليا)». وبحسب التأكيدات الأميركية، فإنّ نشر عناصر الدرع هو لدرء الهجمات الصاروخية الإيرانية المزعومة بالذات.