هآرتس ــ تسفي بارئيل
«على حد علمي، وبناءً على تقديراتي الشخصية، نحن لسنا أمام حرب متوقعة في الصيف المقبل»، قال نائب رئيس هيئة الأركان، موشيه كابلنسكي، مبشراً. ولكن ماذا يعني قوله «على حدّ علمي» وماذا تعني «تقديراتي الشخصية»؟ هل هذا هو نفس التقدير الشخصي أو المؤسساتي الذي يعرف إن كان (الرئيس السوري بشار) الأسد يرغب بالسلام أم لا؟ وهل هذه هي القاعدة التقديرية نفسها التي قررت شعبة الاستخبارات العسكرية بناءً عليها أن إيران ستمتلك قدرة نووية بدءاً من منتصف 2009، هذا بعدما سمعنا تقديرات مختلفة وغريبة عجيبة مرات عديدة في سابق الأيام؟ القاعدة نفسها التي لم تتمكن من توقع احتلال «حماس» لغزة وانتصارها قبل ذلك في الانتخابات.
ماذا يعرف فعلاً من ينبغي عليه أن يعرف وإلى أي حد يمكن الاعتماد على هذه التقديرات؟ هذا سؤال معتبر. ذلك أن مَن لا يعرف إن كان الأسد يرغب بالسلام فعلاً، لا يمكنه أن يعرف إن كان الأسد يريد الحرب. من هنا تنبع المشكلة الكبرى التي تتمثل في اعتماد أمن إسرائيل على المنطق الذاتي في ظل غياب المعلومات الحقيقية. والأسوأ من ذلك ـــ اعتماده على نظريات مقولبة جامدة. على سبيل المثال، تلك الفرضية التي تقول إن الأسد يريد واشنطن لا إسرائيل، وإنه يعدّ للحرب ولكنه لا يريد خوضها، وقبل كل شيء، الاعتقاد بأن سياسة سوريا نابعة من رغباتها الذاتية فقط، من دون أن يكون لإسرائيل دور في توجيه هذه الرغبات.
الأمر نفسه ينطبق على إيران. الافتراض القائل بأن إيران ستمتلك قدرة نووية بعد سنة أو سنتين هو افتراض منطقي وجدير بالاهتمام. لكن هل كلف أحد ما نفسه بفحص المجريات الحاصلة داخل إيران الآن؟ هل انعدمت بشكل نهائي إمكانية التأثير على طموحات طهران؟ هل تؤخذ الانتقادات الداخلية التي تتعالى ضد (الرئيس محمود) أحمدي نجاد بالحسبان؟
شعبة الاستخبارات العسكرية تعتقد بالفعل أن منظومة الضغوط والعقوبات التي ستدفع إيران باتجاه تسوية سياسية من شأنها أن تؤجل فقط تنفيذ برامجها المتعلقة بالحصول على القدرات النووية، وأن المداخيل الهائلة من النفط تضمن استقرار النظام؛ لكن إن كان يمكن نظاماً غنياً ومستقراً تغيير سياسته، أليس من المنطق محاولة التأثير عليه؟ وألا يوجد منطق كذلك في محاولة إجراء مفاوضات حقيقية مع سوريا وإقناع واشنطن بالمشاركة في ذلك من دون السماح لها برفع كتفيها وكأن الأمر لا يعنيها؟
هل اقتراح (رئيس الوزراء إيهود) أولمرت على الأسد شرب الشاي أو القهوة في القدس هو الحد الأقصى الذي يمكن لرئيس وزراء إسرائيلي أن يفعله حتى يحصل على معلومات ما تتجاوز «التقديرات الشخصية» أو المعلومات العمومية التي يمتلكها نائب رئيس هيئة الأركان؟
الشيء نفسه يقال في قضية الإرهاب. يوجد في الجيش الإسرائيلي انطباع بأن «رواية المقاومة» آخذة بالتجذر في أوساط دول ومنظمات إرهابية كثيرة في الشرق الأوسط، وهذه الرواية تعتبر أن المشاكل مع إسرائيل يمكن حلها من خلال المواجهة العنيفة، لا على طاولة المفاوضات. هذا «الانطباع» يبرهن، أكثر من أي شيء آخر، إلى أي مدى علقت إسرائيل في النهج السلبي الذي يفضل فرك الأكف أسفاً في مواجهة التطورات المهددة في الشرق الأوسط وانتظار النبوءة حتى تحقق نفسها. وكأننا أمام شهاب يهبط من السماء وليس هناك قوة تستطيع حرفه عن مساره الفتاك. وكأن للرواية مبدعاً واحداً فقط.
كما أن كلام كابلنسكي حول عدم احتمالية نشوب الحرب في هذا الصيف يبرهن أيضاً إلى أي حد يمكن لأقوال فارغة أو «تقدير شخصي» لقائد بارز أن تنتج الواقع. من الممكن تقدير ما كان سيحدث لو نهض سياسي إسرائيلي بارز وأنتج لنا واقعاً جديداً؛ واقع لا يعتمد فقط على تصريحات الأسد، ولا يفترض أن إيران سجينة داخل صفحة تاريخية واحدة لا يمكن قلبها، ولا يرفع يديه مستسلماً أمام «رواية المقاومة» وإنما يسعى للاستئناف عليها من خلال سياسة إسرائيلية جديدة. حتى ذلك الحين، إسرائيل محكومة بالسجن داخل التقديرات الاستخبارية بدلاً من عكس ذلك.