strong>بول الأشقر
نزع مجلس القضاء الأعلى الأرجنتيني «الشرعية» عن العفو الخاص الرئاسي للائحة ضمت 64 جنرالاً، كان الرئيس السابق كارلوس منعم قد أصدرها عام 1989 بحجة المصالحة الوطنية. واعتبر المجلس أن هذا العفو، الذي شمل «الزمر» التي حكمت الأرجنتين بين عامي 1976 و1983، غير دستوري.
وأتى قرار المحكمة الدستورية متعلقاً بموضوع محدد حول شرعية مقاضاة أحد مسؤولي أبشع معسكرات التعذيب الجنرال ريفيروس الذي لم يكن قد حوكم بعد.
لكن المجلس الدستوري، الذي اتخذ قراره بأربعة أصوات في مقابل صوتين وامتناع العضو السابع، أوضح أن قراره هذا ينطبق أيضاً على القضايا التي سبق أن حُكم فيها، ما يعني أنه ينطبق أيضاً على الجنرالين جورج فيديلا وإميليو ماسيرا، اللذين ترأسا البلاد في تلك الفترة، بينما أجاز المجلس لنائبين متهمين بخرق حقوق الإنسان خلال الدكتاتورية متابعة ولايتهما النيابية.
وقد برر مجلس القضاء الأعلى قراره بأن «العفو عن القامعين يعني اللامقاضاة، واللامقاضاة تساوي خرقاً لأبسط واجبات الدولة، مفضلاً تغليب اعتبار حقوق الإنسان على أي اعتبار قضائي آخر، عدا عن أن الجرائم ضد الإنسانية لا ينقضي مفعولها بمرور الزمن حسب المعاهدات التي وقعتها الأرجنتين».
أما القضاة الذين عارضوا القرار، فبرروا موقفهم بأن المجلس نفسه سبق أن اعتبر «السماح الرئاسي» دستورياً قبل 17 سنة، وشككوا في شرعية المفعول الرجعي لقضايا سبق أن حكم فيها ثم صدر عفو فيها.
وكانت الأرجنتين، في أعقاب حرب جزر مالفيناس وانهيار الدكتاتورية العسكرية وعودة الديموقراطية، قد حاكمت «الزمر» العسكرية في حدث تاريخي أسفر عن إدانة الجنرالات، وخصوصاً فيديلا وماسيرا اللذين نالا السجن المؤبد عام 1985. وعندما بدأت الملاحقات تصل إلى ضباط الصف الثاني، حصلت انتفاضات متتالية في الثكن العسكرية أجبرت الرئيس راؤول ألفونسين على إقرار قوانين عفو شملت ضباط الصف الثاني والمرؤوسين حملت أسماء «نقطة النهاية» عام 1986 و«الطاعة المفروضة» عام 1987.
ولدى وصول الرئيس منعم إلى السلطة، أصدر «سماحاً رئاسياً» بحق ضباط الصف الأول أدى إلى الإفراج عن المعتقلين. وفي ما بعد، نجحت «لجنة أمهات ساحة أيار» في إعادة مقاضاة السفّاحين وإدانتهم بإثارة قضية لم تكن مشمولة بالعفو، وهي خطف أولاد المعتقلات الحوامل قبل إعدامهن وتوزيعهم على عائلات عسكرية. ولذلك، ما زال فيديلا، الذي تخطى الثمانين، في الإقامة الجبرية. أما ماسيرا، فتوقفت الملاحقة القضائية بحقه بعدما أصيب بجلطة.
وبعد وصول الرئيس الحالي نستور كيرشنير إلى السلطة، تغيّرت الرياح ولاقت «لجنة الأمهات» دعماً صريحاً من الحكم، وقد نجحت باستصدار قرار يعود إلى عام 2005 من مجلس القضاء الأعلى، الذي كانت قد تغيّرت صفوفه جزئياً في هذه الفترة، يقضي بإلغاء قانوني «نقطة النهاية» و«الطاعة المفروضة» بعد اعتبارهما غير دستوريين، ما سمح بإعادة فتح عشرات المحاكمات.
يذكر هنا أن الدكتاتورية العسكرية الأرجنتينية كانت الأشد وحشية بين تلك التي حكمت القارة في تلك الحقبة، إن في التشيلي أو البرازيل أو الأورغواي أو الباراغواي، وقد أسفرت عن مقتل حوالى 30 ألف نسمة، بقي عدد كبير من جثثهم مفقوداً حتى اليوم، إضافة إلى خطف حوالى 300 رضيع كُشف عن ثلثهم حتى الآن وأعيدوا إلى عائلاتهم.