موسكو ــ حبيب فوعاني
«المصــالح التجــارية» تضبــط إيقــاع الأزمــة بيــن موســكو ولــندن


لا تزال روسيا تدرس الخطوات التي ستتّخذها رداً على القرار البريطاني بطرد الدبلوماسيين الروس الأربعة، الذين مُنحوا مهلة 10 أيّام لمغادرة الأراضي البريطانيّة، في إطار تفاعلات قضيّة اغتيال رجل الاستخبارات الروسي السابق البريطاني الجنسية ألكسندر ليتفينينكو.
وقال نائب وزير الخارحية الروسية ألكسندر غروشكو أمس إن رد فعل موسكو على خطوة لندن سيكون «متكافئاً وذا عناوين دقيقة ومحدّدة». وبرأيه، تجري «محاولة معاقبة روسيا لمراعاتها دستورها، وهذا ما ينافي العقل السليم» لأنّه من المعلوم أنّ «دستور الاتحاد الروسي يحظر تسليم مواطنيه»، في إشارة إلى رفض موسكو تسليم المتّهم في قتل ليتفينينكو، أندريه لوغوفوي.
وأوضح غروشكو، الذي لمّح إلى أنّه بالإمكان طرد 80 من دبلوماسيّي بريطانيا في موسكو إذا تقرّر معاملة بريطانيا بالمثل، أنّ «روسيا كانت قد طالبت السلطات البريطانية بتسليم 21 شخصاً بينهم (رجل الأعمال) بوريس بيريزوفسكي الذي دعا إلى إطاحة النظام الحالي في روسيا، إضافةً إلى عميل الإرهابيين (الشيشان الانفصاليّين) أحمد زاكاييف».
وحذّر الدبلوماسي الروسي من أنّ العقوبات المفروضة «بهدف تسييس قضية ليتفينينكو» ليست دعوة إلى التعاون بل «سبيل مباشر إلى المواجهة» يؤدّي إلى تضييق إمكانات تفاعل روسيا وبريطانيا في طائفة واسعة من القضايا. وأشار إلى أنّ الخط، الذي اتّخذته لندن، يعقّد التعاون بين الأجهزة الأمنية، إن لم يجعله مستحيلاً في القضايا التي تمسّ ملايين الروس والبريطانيين.
وفي لقاء مع صحافيّين في لندن، شدّد السفير الروسي لدى بريطانيا يوري فيكتوروفيتش فيديتوف على أنّ هامش النفور الذي ولّدته قضيّة ليتفينينكو بين البلدين يفترض «مراجعة جدّية للعلاقات بينهما»، موضحاً أنّ «إيقاف التدهور فيها يتوقّف على نيات الجانب البريطاني».
في المقابل، قال متحدّث باسم الخارجية البريطانية، في حديث لوكالة «فرانس برس»، إنّ أيّ ردّ فعل انتقامي من جانب موسكو على قرار بريطانيا لن يكون «مبرّرا» لأنّ «موقفنا جرى تحديده».
ويرى مراقبون أنّ روسيا تعرّضت للعقاب بسبب تعليق «معاهدة القوات التقليدية» في أوروبا، ومضايقة المجلس البريطاني الثقافي في روسيا والسفير البريطاني أنطوني برينتون بواسطة حركة «ناشي» المقرّبة من الكرملين، بعد تدخّله في الشؤون السياسية الداخلية واجتماعه بأعضاء حركة «روسيا الأخرى» الليبرالية المعارضة.
ورغم التوتّر القائم، يبدو أنّ لندن وموسكو لا تريدان تعريض التعاون الاقتصادي ـــــ التجاري للخطر، لأنّ إلغاء التسهيلات التجارية سيكون أقصى إجراء في المواجهة الراهنة بين الجانبين. وهذا ما حاول وزير الخارجيّة البريطانيّة دايفيد ماليباند الإشارة إليه أوّل من أمس عندما شدّد على أنّ «روسيا شريك رئيس لبريطانيا وبلد ذو اقتصاد متنامٍ».
وأكّدت مصادر دبلوماسية روسية، لـ «الأخبار»، أنّ لندن وموسكو في مطلق الأحوال ستحاولان التقليل من العواقب السلبية على العلاقات الاقتصادية ـــــ التجارية، التي لا تزال حتى الآن تتطوّر بنجاح؛ فقد عقد في لندن في حزيران الماضي اجتماع ترأّسه رئيسا الغرفتين التجاريّتين في البلدين، فيما كان رئيس الوزراء البريطاني السابق طوني بلير يقول إنّ رجال الأعمال البريطانيّين سيغادرون روسيا بسبب تعالي موسكو في علاقاتها مع الغرب.
وعبّر المؤتمرون في خطاباتهم الرسمية ووراء الكواليس عن استيائهم من هذا التصريح لأنّ «روسيا تبقى المكان الذي يمكن فيه جني الأموال»، لذا فرجال الأعمال البريطانيّون «عازمون على التغلّب على العوائق السياسية»، ولا سيّما أنّ التبادل التجاري بين البلدين بلغ 14 مليار دولار عام 2006، وستبلغ الاستثمارات البريطانية في روسيا خلال العام الجاري نحو 7 مليارات دولار.
إلى ذلك، يمكن تحديد الإجراء البريطاني بـ4 نقاط:
طرد الدبلوماسيين، وتشديد نظام منح تأشيرات الدخول البريطانية إلى الموظفين الحكوميين، والتوجّه إلى الدول الأخرى بطلب تسليم لوغوفوي، ومناقشة مستقبل العلاقات بين روسيا والاتحاد الأوروبي مع شركاء بريطانيا في الاتحاد الأوروبي، الذين كانوا قد عبّروا عن مساندتهم لبريطانيا في حزيران الفائت.
وأعلنت باريس أمس عن «تضامنها» مع بريطانيا، داعيةً روسيا إلى التعاون في شكل «بنّاء» مع القضاء البريطاني «لمحاكمة منفذي جريمة ليتفينينكو»، على حدّ تعبير المتحدثة باسم وزارة الخارجية الفرنسية باسكال أندرياني.