strong>بعد يومين على إعلان وزير الخارجية البريطاني دايفيد ميليباند «عقوبات» بحقّ روسيا، يثير عدم ردّ موسكو أسئلة من نوع هل هي إرادة في التريّث أم غموض في الموقف الروسي؟ بينما تتّجه العلاقات بين البلدين نحو بيئة أكثر عدائيّة، عززتها أحاديث في لندن عن محاولة قاذفتين روسيّتين خرق الأجواء البريطانيّة، وإحباط سعي روسي لاغتيال الملياردير المعارض بوريس بيريزوفسكي
جدّدت روسيا أمس التأكيد على تريّثها في ردود فعلها، المبنيّة على «انتظار التفاصيل الدقيقة»، على ما اتخذته بريطانيا بحقها من عقوبات عبر طردها لـ4 من الدبلوماسيين الروس، على خلفية قضية اغتيال رجل الاستخبارات الروسي السابق ألكسندر ليتفينينكو، ورفض موسكو تسليم المتّهم بريطانياً بقتله أندريه لوغوفوي لأسباب متعلّقة بإجراءات قانونيّة ينصّ عليها الدستور.
ورداً على سؤال لوكالة «فرانس برس» عن تأخّر «الردّ»، أوضح الناطق باسم الكرملين ديميتري بسكوف أنّ الموضوع ليس «سباقاً ولا مباراة في كرة المضرب». وقال «سنردّ على لندن بإجراءات مناسبة لكن في الوقت الراهن، ليس لدينا تفاصيل الإجراءات التي اتّخذتها لندن باستثناء طرد دبلوماسيّينا»، في إشارة إلى المواضيع المتعلّقة بالتأشيرات ومجالات التعاون الاقتصادي.
وبيّن بسكوف، الذي أعرب عن أمله في أن «يتوقف هذا النوع من المواقف المدمّرة التي تتخذها لندن»، أنّ المسألة كلّها «تبقى غامضةً بالنسبة إلينا»، إلّا أنّه أكّد «أنّنا لا ننوي الدخول في مأزق» مع بريطانيا، مشيراً في الوقت نفسه إلى أنّ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ورئيس الوزراء البريطاني غوردن براون لم يتصلا هاتفياً بعضهما ببعض خلال الأيّام الثلاثة الماضية.
وقبل حديث السياسي الروسي، ورداً على سؤال للوكالة نفسها في هذا الشأن، اكتفت وزارة الخارجية الروسية بالقول إنّ رد موسكو سيأتي «قريباً وربّما خلال الأيّام المقبلة». لكن سفير روسيا لدى بريطانيا يوري فيدوتوف أبلغ هيئة الإذاعة البريطانيّة «بي بي سي» أنّ موسكو سترد اليوم على الأرجح.
وفيما انقسمت الصحف الروسية أمس حول انعكاسات قضية ليتفينينكو على العلاقات الروسية البريطانية بين خشية تدهورها بشكل «خطير» واعتبار إجراءات لندن «محض رمزيّة»، كشفت صحيفة «تايمز» البريطانيّة أنّ مقاتلات من طراز «تورنادو» تابعة لسلاح الجوّ الملكي اعترضت قاذفتين روسيتين من طراز «تي يو 95» كانتا متوجهتين، بعد انطلاقهما من قاعدتهما الجوية في شبه جزيرة كولا في الدائرة القطبية، لاختراق المجال الجوي البريطاني. ووصفت الحادث بأنّه «نادر» ومؤشر على «المستوى الذي وصلت إليه العلاقات» بين البلدين.
إلّا أنّ روسيا سارعت إلى نفي المزاعم البريطانيّة المنقولة عن «مصادر عسكريّة مطّلعة»، موضحةً أنّ الطائرتين كانتا تنفّذان رحلة مقرّرة مسبقاً وغير مرتبطة بالأزمة التي تمرّ بها العلاقات بين البلدين.
ونقلت وكالة الأنباء الروسية «نوفوستي» عن الناطق باسم القوّات الجوية الروسيّة العقيد ألكساندر دروبيشيفزكي قوله إنّ قائد القوّات الجوية الجنرال ألكساندر زيلين رأى أن الربط بين رحلة الطائرتين والأزمة الحالية في العلاقات بين روسيا وبريطانيا «أفكار هراء».
وفي السياق، كشف الملياردير الروسي المنشقّ بوريس بيريزوفسكي المقيم في لندن أنّ الشرطة البريطانية حذّرته من أن موسكو أرسلت قاتلاً لاغتياله ونصحته بمغادرة البلاد. وقال، في بيان له أعقب كشف صحيفة «صن» البريطانيّة إحباط جهاز الأمن الداخلي «أم آي 5» وجهاز الأمن الخارجي «أم آي 6» محاولة لاغتياله، إنّه قضى أسبوعاً خارج بريطانيا «قبل أن تبلغني الشرطة أنّ بإمكاني العودة إلى لندن»، غير أنّه تجنّب الكشف عن التفاصيل.
ورأى بيريزوفسكي أنّ التهديدات بقتله «تحمل بصمات جهاز الأمن الروسي»، مشيراً إلى أنّ بوتين أدخل تعديلات على القوانين الروسية لتمكين عملاء الأجهزة من تنفيذ الاغتيالات في الخارج.
وفي وقت لاحق، أعلنت شرطة «سكوتلند يارد» البريطانيّة اعتقال رجل يشتبه في أنّه على علاقة بمؤامرة لاغتيال الملياردير الروسي، موضحةً أنّه كان قد اعتقل في 21 من الشهر الماضي في وسط لندن وسُلّم بعد يومين إلى دوائر الهجرة.
وشهد يوم أمس أيضاً تطوّراً على صعيد جدل منظومة الدفاع الصاروخيّة التي تنوي الولايات المتّحدة نشرها في أوروبا الشرقيّة، حيث اقترحت موسكو على البلدان المعنية الاستفادة من محطتي رادار تابعتين لها من أجل متابعة البرامج الصاروخية الإيرانية.
ونقلت وكالة «نوفوستي» عن المتحدث باسم وزارة الدفاع الروسية الجنرال يفغيني بوجينسكي إيضاحه للصحافيين «قلنا للولايات المتحدة دعونا نستخدم معاً محطتي الرادار في غابالا (في أذربيجان) وأرمافير (جنوب روسيا) من أجل متابعة البرامج الصاروخية لإيران وغيرها من البلدان. ففي حوزتنا 5 سنوات على أقل تقدير لكي نتحضر بصورة مشتركة للتصدّي لهذا التهديد».
إلّا أنّ بوجينسكي أوضح في الوقت نفسه أنّ التهديد الصاروخي الذي تتحدث عنه واشنطن لن ينبثق من إيران خلال السنوات الـ15 أو الـ20 المقبلة، لأنّ الجمهوريّة الإسلاميّة «عاجزة الآن» عن صنع صواريخ ذات مدى يبلغ 5 أو 6 آلاف كيلومتر، فضلاً عن الصواريخ الباليستية العابرة للقارات.
وفيما نقلت «نوفوستي» عن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف قوله، بعد مكالمة مع نظيرته الأميركيّة كوندوليزا رايس، إنّ بلاده مستعدّة لمناقشة قضية «معاهدة القوات التقليدية» في أوروبا مع الولايات المتحدة، على الرغم من تجميد مشاركة روسيا فيها، رأى بوجينسكي أن «لا فائدة» من عقد مؤتمر حواري مع «حلف شمالي الأطلسي» في شأن المعاهدة، لكون «موقفه منها لم يتغيّر» في ظلّ «تحوّل المعاهدة المعدّلة إلى قديمة لا تعكس واقع اليوم».
وبانتظار انقضاء فترة إشعار تستمر حتّى كانون الأوّل المقبل لتوقف روسيا التزامها المعاهدة التي جرى توقيعها أوّلاً عام 1991 وتم تحديثها بعد 8 سنوات، أوضح بوجينسكي أنّ ذلك يعني قيام موسكو بنشر قوّات على حدودها الغربية فوراً «لكن أمام قيادة الجيش حالياً إمكان للقيام بذلك».
وتطرّق بوجينسكي إلى اتّفاقيّة الحدّ من انتشار الأسلحة الاستراتيجيّة الهجوميّة بين روسيا والولايات المتحدة (ستارت)، التي تنتهي مدّتها في الخامس من كانون الأوّل عام 2009، ودعا إلى إعداد اتفاقية جديدة «بما أن الاتفاقية السارية معقّدة».
(يو بي آي، أ ف ب، رويترز، أ ب)