strong>بول الأشقر
شهدت مدينة ساو باولو البرازيلية أمس مأساة أودت بحياة نحو 200 شخص، عثر على جثة نحو 160 منهم، عندما تحطمت طائرة «آيرباص» تابعة لشركة «تام» البرازيلية في مبنى مجاور للمطار، في كارثة جوية هي الأبشع في تاريخ البرازيل.
وحاولت الطائرة، التي كانت تقوم برحلة داخلية بين مدينتي بورتو أليغري الجنوبية وساو باولو، أن تهبط عند الساعة السابعة إلا ربعاً في التوقيت المحلي في مطار كونغونياس (في مدينة سان باولو)، إلا أنها لم تنجح في التوقف على المدرج وانحرفت عنه واجتازت جادة ملاصقة به واصطدمت بمخزن للشركة «تام»، وهو مبنى كبير مؤلف من أربعة طوابق، حيث تحطمت مُخلّفةً أضراراً جسيمة في المباني المجاورة وحريقاً ضخماً وصل لهيبه إلى علو عشرين متراً. ولم يستطع أكثر من 250 إطفائياً السيطرة عليه نهائياً حتى فجر أمس.
وتشير التحقيقات الأولية إلى أن قبطان الطائرة، التي كان على متنها 186 شخصاً من ضمنهم أفراد الطاقم، تأخر في الهبوط ولم يستطع إيقاف طائرته قبل نهاية المدرج، فحاول الإقلاع مجدداً، إلا أن الظروف لم تعد مواتية لأن سرعته كانت عندئذ مرتفعة لكي يتوقف وغير كافية لكي يقلع. وخرجت الطائرة من نطاق المطار.
ويجمع المراقبون على أن الأمطار الغزيرة، وحالة المدرج التي لم تؤمّن تصريفاً ملائماً للمياه التي تتجمع فيه تضافرت كلها لوقوع المأساة.
وكادت الكارثة أن تكون أكبر لولا الساعة المتقدمة من النهار، التي جعلت أكثرية الموظفين قد غادروا مكان عملهم قبل وقوع الحادث.
وأُعيد فتح المطار من دون المدرج الأساسي، فيما ألغي عدد من الرحلات ونقل عدد آخر منها إلى مطارات الولاية الأخرى.
وتلت الحادث مشاهد من الهلع واليأس والتمرد في مطاري ساو باولو وبورتو أليغري، حيث اضطرت الشرطة إلى التدخل لأن الأهالي والأصدقاء الذين تجمعوا كانوا يطالبون بالإفراج عن أسماء الركّاب، فيما كانت الشركة تمتنع عن إعطاء اللائحة لوسائل الإعلام قبل الاتصال بجميع العائلات.
ولم يُفرَج عن هذه اللائحة التي بثتها وسائل الإعلام بالترتيب الأبجدي إلا بعد مرور ست ساعات على وقوع الحادث. وأمر الرئيس البرازيلي لولا دا سيلفا وحاكم ولاية ساو بولو جوزي سيرا، الشرطة الفيدرالية، بعد إعلان حداد رسمي لمدة ثلاثة أيام، بالقيام بتحقيق فوري لتحديد المسؤوليات. ولمّح الرئيس لولا إلى إمكان إقفال المطار نهائياً إذا اقتضت الحاجة.
ومطار كونغونياس الموجود داخل مدينة ساو باولو والمحاط بالأحياء السكنية وبالجادات السريعة، أكبر مطار في أميركا الجنوبية، إذ استقبل عام 2006 أكثر من 18 مليون راكب بمعدل 600 رحلة في اليوم الواحد.
وخضع المطار، الذي تأسس في عام 1936، في السنوات الأخيرة، لعمليات ترميم وتوسيع وتحديث، كانت آخرها تلك التي جعلت مدرجه الأساسي مقفلاً خلال 70 يوماً قبل إعادة تشغيله في أول تموز الجاري.
ويأتي حادث طائرة «تام»، الذي تحوّل إلى أبشع كارثة في تاريخ الطيران البرازيلي، بعد حادث مماثل وقع في المطار نفسه قبل 11 سنة، ومع الشركة نفسها، حين وقعت طائرة على الحي المجاور بعدما تعطل أحد محركيها وهي تحاول الإقلاع، ما أدى إلى وقوع مئة قتيل. وقبل عشرة أشهر، اصطدمت طائرة من شركة «غول» البرازيلية بطائرة صغيرة فوق منطقة الأمازون، حيث لقي أكثر من 150 شخصاً حتفهم، فيما تمكنت الطائرة الصغيرة من الهبوط.
وتعيش البرازيل منذ هذا الحادث حالة من الفوضى العارمة في مجالها الجوي أدت إلى تشكيل لجنة تحقيق برلمانية، وخصوصاً إلى تأخيرات في مواعيد الرحلات كلما ازداد الضغط في فترات الفرص والأعياد تحديداً.
وتعود هذه الحالة، التي تنطبق على دول أخرى من أميركا الجنوبية، إلى أن مضاعفة الطلب على النقل الجوي لم يواكبها نمو مماثل في البنى التحتية وفي هيكلية إدارة المجال الجوي التي مرّ عليها الزمن، وهي موروثة من النظام العسكري، حيث تُسلّم عملية إدارة المجال الجوي إلى سلاح الطيران.
ومما لا شك فيه أن الحادث يكرس إفلاس نظام النقل الجوي وسيفتح على مصراعيه ملف معالجته، وقد يترتب عليه أيضاً نتائج سياسية كبيرة.