بين الأمن والغذاء، يعيش الفلسطينيون في قطاع غزة صراعاً نفسياً. فعلى رغم حالة الاستقرار الظاهرية التي حققتها «حماس»، إلا أن بعض ممارسات الحركة أوجدت حال انقسام بين الفلسطينيين الذين يعانون أصلاً فوضى «الأمن الغذائي». فقبل أيام حمل أفراد من الجناح العسكري لحركة «حماس» جثّة وليد أبو دلفة عبر مدخل مستشفى الشفاء في غزة. وذكر أطباء والمركز الفلسطيني لحقوق الإنسان أن على الجثة رضوضاً، وفي اليدين والساقين انتفاخاً، وعلى العنق كدمات.
وكانت «كتائب القسام» قد اختطفت وليد أبو دلفة من منزله في مدينة غزة ومعه شقيقه خليل ونقلتهما إلى أحد مراكز الاستجواب في شمال غرب غزة. وأُطلق خليل، لكن شقيقه وليد لم يُفرج عنه.
وقال خليل أبو دلفة إنه وشقيقه احتُجزا في غرفتين منفصلتين، لكنهما متجاورتان، فكانا يستطيعان الاتصال ببعضهما. وأضاف أن كلّاً منهما كان يسمع صرخات الآخر من التعذيب، موضحاً أن العصبات «وُضعت على عينيهما والأصفاد في يديهما ورُبطا بالسلاسل وتُركا في أوضاع غير مريحة وضُربا وفقدا الوعي أكثر من مرة».
ووفاة أبو دلفة في الحجز لدى «حماس» هي الثانية من نوعها منذ سيطرة الحركة على مقاليد الأمور في غزة، بعدما قتل فضل دهمشة، الذي اعتقلته حركة «الجهاد الإسلامي» للاشتباه في تعاونه مع الإسرائيليين، ثم سلمته إلى القوة التنفيذية التابعة لـ«حماس» التي قالت إنه أُصيب «بنوبة قلبية» في السجن.
هاتات الحالتان، إضافة إلى الاعتقالات التي تتحدّث عنها مراكز حقوق الإنسان، أوجدت مشاعر مختلطة لدى عدد كبير من أهالي غزة، الذين يقولون إنهم «من ناحية يشعرون أن الشوارع صارت أكثر أماناً وقلّت حوادث السيارات وخفّت حدّة ظاهرة الاتجار بالمخدرات»، مشيرين إلى أن «حماس» أشدّ مراساً من «فتح» التي كانت تتسامح مع عصابات الإجرام.
لكنهم في الوقت نفسه يقولون إن «حماس» في حماستها لفرض القانون تنتهكه هي نفسها بما تقوم به من عمليات تفتيش من دون إذن قضائي على نحو ما حدث في جامعة الأزهر في غزة، حيث استخدمت العنف ضد المشتبه فيهم.
هذا التخبّط تجاه الأمن، تصاحبه حال من اليأس مع اقتراب نفاد المواد الغذائية، واعتماد غالبية الفلسطينيين على مساعدات وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، التي يتسابق الأطفال ليساعدوا ذويهم في الحصول على المواد الغذائية من مراكز التوزيع التابعة لها في قطاع غزة، في وقت كانت فيه النساء تقفن في الظل قرب الشاحنات بانتظار أن يُنادى على أسمائهن لتسلّم حصصهن من المواد الغذائية.
وقال أحمد الجمال، وهو أب لخمسة أولاد، داخل مركز للمساعدات في مدينة غزة، «ليس لنا الآن سوى الله ثم الأونروا». وأضاف، وهو يتلقى أكياساً من الدقيق والرز وزجاجات من زيت الطهو، «لم يعد لنا مصدر آخر للرزق».
بدوره، قال سعيد درويش، وهو أب لعشرة أطفال، إن المساعدات الغذائية التي تقدمها الأمم المتحدة باتت «المورد الأساسي» لمعيشة مئات الآلاف من الفلسطينيين. وقال، بينما تكوّمت أكياس الدقيق أمامه، «هناك الكثير من العائلات التي تحتاج إلى مساعدتهم لكنها لا تتلقاها».
ويقدّر خبراء فلسطينيون في مجال الاقتصاد أن ما لا يقل عن 70 ألف عامل فقدوا وظائفهم في قطاع غزة، منذ أطاحت «حماس» قوات «فتح» في حزيران، الأمر الذي أدى إلى تفاقم مشكلة البطالة.
وقال محمد التلباني إنه اضطر إلى خفض عدد العمال في مصنعه لإنتاج البسكويت، إلى 150 من 400، وإلى العمل لعشرة أيام في الشهر بدلاً من 26 بسبب نقص المواد الخام.
(رويترز، د ب أ)