عمّان ــ ثائر غندور
لا يختلف اثنان على الدور الأساسي للملكة الأردنية الهاشمية في «محور الاعتدال» المستحدث في العالم العربي. ولا يختلف أردنيان أيضاً على الدور المحوري للمخابرات في الحياة اليومية، رغم الإيحاء الديموقراطي الحر، الذي يحيط الحياة الإعلامية والثقافية في عمّان

  • فلسطينيّوها مضطهدون وشركسها يحمون النظام... وطلابها يصرخون: «ذبحتونا»


  • الدور المخابراتي هو أول ما يستقبل الزائر إلى الأراضي الأردنية. وللزائر اللبناني «معاملة خاصة»، باعتباره قادماً من بلد منقسم بين «اعتدال» و«تطرّف» إلى دولة هي «أساس الاعتدال»، فلا بد من تمييز هوية الضيف وميوله.
    يتحوّل اللبناني إلى مشبته به فور دخوله إلى الأردن. «من أي منطقة؟» هو السؤال الأول الذي يطرحه موظف الأمن العام إذا لم يستطع تبيان طائفة الشخص من جواز السفر. تتوالى أسئلة هذا الموظف إلى أن يحصل على الجواب الشافي.
    وإذا كان هذا اللبناني ينتمي إلى الطائفة الشيعية، فدخوله لن يكون بسلاسة أبناء الطوائف الأخرى. التحقيق في غرفة جانبية يكون ضرورياً في الحالة هذه، لمعرفة مدى ارتباط هذا الشخص بحزب الله.
    كثير من اللبنانيين تعرّضوا لمثل هذه المعاملة، إلّا أنهم لا يريدون ذكر أسمائهم بسبب ارتباطهم بعمل داخل الأردن. ويروي أحدهم، واسمه علي، أن مجرّد الاسم كان دافعاً لإدخاله إلى غرفة التحقيق، الذي اختتمه المحقّق بالقول: «إذا كنت تنتمي إلى حزب الله فلا تخف قل، فنحن دولة ديموقراطية نحترم الانتماء إلى الأحزاب».
    «ذبحتونا»
    هذا التعامل المخابراتي لا يقتصر على المواطن اللبناني، فهو عيّنة من ممارسات علنية ومستترة من «الدولة الديموقراطية» بحق مواطنيها. ففي الثامن والعشرين من أيار الماضي نشرت صحيفة «العرب اليوم» الأردنية صرخة من طلاب جامعيين تحت عنوان «ذبحتونا»، عبّروا فيها عن احتجاجهم على سنوات من المنع داخل أسوار جامعاتهم، بدءاً بقرار التعيين في مجلس الطلبة في الجامعة الأردنية ونظام التأديب للطلاب وقرارات التنبيه والفصل النهائي. فهؤلاء الطلاب ممنوعون من النشاط السياسي في جامعتهم تحت طائلة الطرد. ويشير عدد منهم إلى أن «إثارة النعرات الإقليمية» هي التهمة الجاهزة التي ستلصق بأي واحد يطالب بحقوقه الطلابية.
    يقوم أمن الجامعة بتفتيش الطلبة كما أن من صلاحياته دخول المحاضرات والطلب من أحد الطلبة المشتبه بهم مراجعة الأجهزة الأمنية.
    وقد قامت إحدى الجامعات بتنبيه أحد الطلبة لمجرد أن أمن الجامعة وجد في جيبه ورقة تحمل شعار «لا لرفع الرسوم الجامعية»، فيما استُدعي طالب آخر وهو داخل محاضرته.
    «الاعتقال السري»
    هذا القمع، الذي تجرّأ الطلاب الأردنيون على التحرك ضده أخيراً بغطاء أكاديمي، رأى فيه اليساريون الأردنيون بعداً سياسياً. ويُحيلك شباب إلى مدوّناتهم على شبكة الإنترنت لأن «الأحزاب الأردنية كذبة». يقول أحدهم «في عام 1989، عادت الحياة البرلمانية إلى الأردن، وأُلغيت الأحكام العرفية بعد 34 عاماً؛ فجُمعت الأحزاب والشخصيات على صيغة الميثاق الوطني في محاولة ناجحة لإزاحة النظر عن الدستور الأردني واختراع مرجعية أدنى، هذا إضافةً إلى خروج كوادر الأحزاب إلى العلن، حيث أصبحوا أولاً تحت الرقابة المباشرة للأجهزة الأمنية، وثانياً تحت الرقابة المباشرة للجماهير التي لم تجد فيهم قيادات سياسية وطنية راديكالية تلبي طموحاتهم؛ لذلك بلغ اليأس ورفض السياسة مستويات مرتفعة في المجتمع الأردني».
    ويقول مدير برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في منظمة العفو الدولية، مالكوم سمارت، في تقرير لمنظمة العفو الدولية في تموز 2006، إن النظام الأردني تحوّل إلى «حلقة مركزية في شبكة عالمية من مراكز الاعتقال السرية التي تديرها الولايات المتحدة بالتنسيق مع وكالات استخبارية أجنبية». ويضيف «يختفي المشتبه بهم في هذه الشبكة ويُحتجزون لفترات غير محددة لاستجوابهم خارج نطاق أي عملية قانونية أو إدارية واجبة».
    وتمثّل دائرة المخابرات العامة، وهي جهاز أمني عسكري مرتبط مباشرة برئيس الوزراء الأردني، الأداة الرئيسية لإساءة معاملة المعتقلين السياسيين وللحصول على «اعترفات» قسرية. ويقول مسؤولون سابقون كبار في بعض وكالات الاستخبارات الأميركية إن دائرة المخابرات العامة تتلقّى تمويلاً سرياً من حكومة الولايات المتحدة.
    ويقول سمارت إن «ضباط دائرة المخابرات العامة يتمتعون بسلطات واسعة وينعمون بحصانة شبه تامة، وإن السلطات التي تتمتع بها دائرة المخابرات العامة في ما يتعلق باحتجاز المعتقلين إلى أجل غير مسمى وحرمانهم الاتصال مع العالم الخارجي، إنما هي بمثابة وصفة للتعذيب وغيره من ضروب إساءة المعاملة».
    «مش بلجيك»
    إحدى القضايا الشائكة في الأردن، التي يُمنع التطرق إليها، رغم ما تمثّله من معاناة حياتية لأصحابها، هي أزمة التمييز بين «الأردني الأردني» و«الأردني الفلسطيني». ورغم محاولة السلطات الرسمية، وبعض المنابر الإعلامية، نفي وجود مثل هذا التمييز، إلا أنه من السهولة تبيانه خلال التجوال في الشوارع. فسائق التاكسي يُعرّف عن نفسه بأنه «أردني أردني... مش بلجيك»، وأحياناً أخرى بـ«أردني أصلي».
    ويتداول كثيرون في الأردن رواية نكتة حقيقية في معرض الترحّم على الملك حسين الهاشمي. تقول النكتة إن طائرة الملك كانت تحلق ذات مرة فوق بلجيكا، وعندما سأل الملك قائد الطائرة، وهو من أصل فلسطيني، كيف الجو في بلجيكا اليوم، فوجئ به يستأذنه برغبته في الهبوط على أرض وطنه. فما كان من الملك ومرافقيه إلا أن استغرقوا في الضحك، ذلك أن الأردنيين يلقبون الفلسطينيين بـ«البلجيك»، وذلك لأن أول مخيم للاجئين الفلسطينين أقيم في الأردن عام 1948 كان بإدارة بلجيكية.
    وعندما يكون الحديث «في السرّ» مع أحد الفلسطينين في الأردن، يشير إلى التمييز في المناصب والحرمان من الحقوق، والتعرّض للتعذيب في حال دخوله إلى السجن. كما يُتهم الفلسطينيون بعدم الولاء للأردن «وبأنهم أفسدوا الأردن. فهم حرامية وكذابين»، حسبما يقال عنهم.
    وفي حادثة لافتة تشير إلى رغبة النظام في إخفاء الأرقام الحقيقية للأردنيين من أصل فلسطيني، حقّقت النيابة المدنية، ثم النيابة العسكرية، مع رئيس الديوان الملكي الأردني السابق عدنان أبو عودة، بتهمة «إثارة النعرات المذهبية أو العنصرية أو الحضّ على النزاع بين الطوائف ومختلف عناصر الأمة»، استناداً إلى تصريحات لقناة «الجزيرة»، رجّح فيها أن تكون نسبة الأردنيين المنحدرين من أصول فلسطينية 60 في المئة أو أكثر، مشيراً إلى أن «الرقم المعتمد عند الحكومة هو 44 في المئة».
    وانتقد أبو عودة قانون الانتخابات الحالي انطلاقاً من كونه يمنح تمثيلاً أقل للمناطق التي تضم نسبةً كبيرة من الأردنيين الفلسطينيي الأصل. كما انتقد انخفاض نسبة الموظفين من أصل فلسطيني في الحكومة.
    وقد بدأ هذا التمييز مع الإقصاء القسري لمعظم الأردنيين من أصل فلسطيني من مجال النفوذ السياسي عقب الصدام الدامي الذي شهده الأردن بين السلطة وفصائل المقاومة الفلسطينية في أحداث عام 1970، التي عُرفت باسم «أيلول الأسود».

    الشركس

    يصل عدد الشركس في الأردن إلى ما يقارب مئة وعشرين ألفاً، يعيش معظمهم في العاصمة عمان. وكانت أول مجموعة من القادمين من قبيلة الشابسوغ التي دخلت البلاد عبر تركيا إلى دمشق، ثم إلى عمان حيث استوطنوا.
    أما بالنسبة إلى المجموعة الثانية الكبرى فقد قدِمت عبر الطريق البحري من البلقان إلى بيروت وعبرت حلب متوجهة إلى عمَّان. ولم يتوقف دفق الهجرات من البلقان إلا عام 1920. كما حضرت أيضاً مجموعة من الشيشان من تركيا إلى الأردن عبر الطريق البري ما بين الأعوام 1888 و1902 و1905. ثمّ قام الشركس في السنوات الأولى لقدومهم إلى الأردن بإنشاء ستة اتحادات شركسية وتقلّدوا مناصب رجال أمن في الشرطة العثمانية. وكانت إحدى أهم وظائف تلك الاتحادات حماية خط السكك الحديدية بين عمان والمدينة المنوّرة.
    ويمثّل الشركس اليوم قوّة فعَّالة لدى الحكومة الأردنية والعائلة الملكية في الكوادر العسكرية، وخصوصاً الحرس الملكي الذي يتكوّن بشكل أساسي من الشركس. وهم لا يواجهون مشاكل ثقافية أو عرقية. هذا وتُستخدم الأبجدية الشركسية في الجمعيات الموجودة في عمان وقرية وادي السير.

    لا تعليم مجانياً
    لا شيء اسمه جامعة مجانية في الأردن. التعليم حكرٌ على الطبقة الوسطى وما فوق؛ أما الطبقة الفقيرة فهي محرومة التعليم إلّا إذا تبرّع «أحد المحسنين» أو إحدى الجمعيات الدينية وتبنّى هؤلاء الفقراء.
    فكلفة الساعة الواحدة تصل إلى 120 ديناراً (يساوي الدينار الأردني ألفي ليرة لبنانية). وفي الوضع الطبيعي يأخذ الطالب الجامعي 36 ساعة، وبالتالي فإن مجموع رسوم ساعات الواحد منهم تصل إلى 4320 ديناراً، وهو الأمر الذي يهدد مصير الكثيرين وإمكان إكمال دراستهم الجامعية أمام نية الحكومة رفع الرسوم الجامعية.
    وكشفت دراسة أعدّها المكتب الشبابي والطلابي لحزب الوحدة الشعبية عن واقع التمويل الحكومي للجامعات أن الدعم الحكومي للجامعات الرسمية لا يزيد على 23 في المئة من مجمل ايرادات الجامعات، بينما يتحمل الطالب معظم الجزء الباقي من الإيرادات.
    وأشارت الدراسة الى ارتفاع ايرادات الجامعات من الرسوم الجامعية. وأوضحت أن نسبة الدعم الحكومي للجامعات تقلّصت من 33.22 في المئة عام 2002 الى 23.01 في المئة عام 2005. في وقت زادت فيه نفقات الجامعات الناجمة عن التوسّع في الإنفاق على البنية التحتية نتيجة افتتاح جامعات جديدة.
    وأكدت الدراسة أن معظم الجامعات الرسمية حقّقت وفراً في ميزانيتها لعام 2003 على عكس ما تروّجه الحكومة من عجز في موازنات الجامعات الرسمية، مشيرة الى أن الجامعة الأردنية مثلاً حققت وفراً بقيمة ثمانية ملايين و200 ألف دينار والجامعة الهاشمية حققت وفراً بقيمة نحو خمسة ملايين وخمسة وأربعين ألف دينار، وهو ما ينفي، بحسب الدراسة، ذرائع الحكومة عن أسباب رفعها الرسوم الجامعية.