طفت المشاكل المتزايدة بين السعودية والولايات المتحدة منذ احتلال العراق عام 2003، على سطح العلاقات الثنائية بين البلدين، في ضوء تقرير صحافي أميركي نُشر أمس، كشف امتعاض إدارة الرئيس جورج بوش من التعاطي السعودي «السلبي جداً» مع الملف العراقي، في وقت اتهمت فيه الحكومة العراقية «جبهة التوافق العراقية» بالارتهان لدول «خارج الحدود». وذكرت صحيفة «نيويورك تايمز» أمس أنّ الملك السعودي عبد الله واجه المندوب الأميركي لدى مجلس الأمن، زلماي خليل زاد، عندما كان سفيراً لبلاده لدى بغداد، خلال زيارة إلى الرياض في كانون الثاني الماضي، بوثائق تشير إلى عدم إمكان الوثوق برئيس الحكومة العراقية نوري المالكي، الذي سمِّي في الوثائق «عميلاً إيرانياً»، مشيرةً إلى أن ذلك ما يفسّر الرفض السعودي لاستقبال المالكي منذ تسلمه منصبه في نهاية عام 2005.
وذكرت الصحيفة أن من بين هذه الوثائق رسالة تحذيرية وجهها المالكي إلى زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر بوجوب الاختفاء قبل إرسال واشنطن للقوات الإضافية (30 ألف جندي) إلى بغداد في شباط الماضي.
وبحسب الصحيفة، اعترض زاد أمام عبد الله مدعياً أن هذه الوثائق مزوّرة، غير أنه بات اليوم يعبّر، إلى جانب عدد كبير من المسؤولين في الإدارة، علناً عن امتعاضه ممّا يسمّيه «الدور المعاكس» للسعودية في الحرب على العراق، وهو ما تُرجم أخيراً في مقالة افتتاحية كتبها زاد في الصحيفة نفسها في الأسبوع الماضي، قال فيها «إن العديد من جيران العراق، وليس سوريا وإيران فحسب، بل بعض أصدقاء الولايات المتحدة، ينتهجون سياسات زعزعة الاستقرار في العراق»، وهو ما اعتبره مسؤولون أميركيون إشارة واضحة إلى السعودية والإمارات.
ويقول المسؤولون الأميركيون إن الرياض توفّر الدعم المالي للمجموعات السنية في العراق، في وجه ما يعتبرونه «تمويلاً وتسليحاً إيرانيَّين للشيعة».
ونقلت الصحيفة عن السفير الأميركي الأسبق لدى الأردن والكويت، ادوارد غناهم، قوله إنه عرف، خلال جولة قام بها أخيراً إلى المنطقة، أن السعوديين طلبوا خلال اجتماع مجلس التعاون الخليجي في كانون الأول الماضي، من الدول الأعضاء فيه تقديم الدعم المالي إلى سنّة العراق، وهو ما دفع وزيري الخارجية كوندوليزا رايس والدفاع روبرت غيتس ومستشار الأمن القومي ستيفن هادلي أخيراً إلى تكرار الطلبات من «الدول العربية السنية» بدعم حكومة المالكي.
وقال مدير مركز «البرنامج الاستراتيجي الاميركي» ستيف كليمونز إنّ الادارة الأميركية باتت متأكّدة من أن «السعوديين لم يعودوا يؤدون دور الخادم الجيّد، فهم يرون الضعف والثُّغر الاميركية وقرّروا سدّها على طريقتهم».
وأشار كبار المسؤولين في إدارة بوش، للصحيفة، إلى أنه ستتم إثارة هذا الموضوع خلال الزيارة المشتركة التي ستقوم بها رايس وغيتس إلى جدة في الأسبوع المقبل، للضغط على الملك السعودي بضرورة تقديم الدعم إلى الحكومة العراقية، ووقف المساعدة عن المقاتلين العراقيين السنّة، ومنع تدفق «المقاتلين السعوديين» إلى العراق.
ورفضت المتحدثة باسم البيت الابيض دانا بيرينو التعليق على تقرير «نيويورك تايمز»، لكنها شدّدت على «قوة التعاون بين الرياض وواشنطن في المجال الأمني ومكافحة الإرهاب».
ولم يصدر ردّ عن السفارة السعودية في واشنطن، غير أنّ أحد مستشاري العائلة المالكة في السعودية قال للصحيفة نفسها، إن المسؤولين السعوديين على علم بالاتهامات الأميركية، موضحاً أن بلاده «تنشط على توحيد الجبهة العربية أولاً لتجنّب المزيد من النزاعات العربية ...، أما عن كيفية حكم الآخرين على دوافعنا، فهذه مشكلتهم».
وفي السياق، أكّدت صحيفة «وول ستريت جورنال» في عددها أول من أمس أن واشنطن تشتبه في أن مصرفاً سعودياً كبيراً يسهّل تمويل مجموعات متطرفة داخل العراق، تنشط تحت إطار «الجهاد».
في هذا الوقت، اتّهمت الحكومة العراقية، على لسان المتحدّث باسمها علي الدباغ، أمس «جبهة التوافق العراقية»، التي سبق أن هدّدت بالاستقالة النهائية خلال أيام إذا لم تحقّق حكومة المالكي مطالبها الـ11، بـ «الارتباط بدول خارج الحدود العراقية». وقال الدبّاغ، في بيان ردّ فيه على الاتهامات التي سبق أن وجّهتها «الجبهة» إلى حكومة المالكي، إنّ موقف «الجبهة» «مغامرة خطيرة لا تخدم أبناء العراق»، مشيراً إلى أنّ شروط الجبهة الـ11 «انطوت على مخالفات عديدة، وجاءت منسجمة مع توجّهاتها في ممارسة إعاقة العملية السياسية وعرقلة تقدّمها وصولاً الى إيقافها وإرجاعها إلى المربّع الأول».
(الأخبار، أ ب، أ ف ب،
يو بي آي، رويترز، د ب أ)