strong>حسام كنفاني

محمد دحلان شخصية «فتحاوية» احتلت صدارة الأحداث على الساحة الفلسطينية منذ عام 1994، إلا أن نجمه لمع بعد مشاركته في مفاوضات كامب ديفيد عام 2000، التي شكّلت تحوّلاً نوعياً في المسار السياسي لدحلان، وبداية خروجه من عباءة الزعيم الراحل ياسر عرفات

الظهور الأول لمحمد دحلان في العمل الحركي كان في «الشبيبة الفتحاوية» في الجامعة الإسلامية في قطاع غزة مطلع ثمانينات القرن الماضي، قبل أن يعتقل أكثر من مرة، اختلفت التقارير في مدتها؛ ففيما يعلن دحلان أنه اعتقل لعشر سنوات، يؤكد مسؤولون فلسطينيون أنه لم يعتقل لأكثر من ثلاث سنوات، انتقل بعدها مع المبعدين في عام 1988 من غزة إلى ليبيا، ومنها إلى تونس، حيث احتضنه ياسر عرفات.
وأسهمت الاغتيالات التي شهدتها تونســـــ أبو جهاد (نيسان 1988) وأبو إياد وأبو الهول (كانون الثاني 1991) ـــــ في صعود نجم عدد من قادة الصف الثاني ـــــ محمود عباس (أبو مازن) وأحمد قريع (أبو العلاء) ـــــ وحدوث فراغات في القيادات الشابة، ما دفع إلى حركة ترقيات، نال المبعدون وقتها حصتهم منها. وبات في دائرة الضوء «العقيد» محمد دحلان، وعدد كبير من العقداء، الذين أغدق عليهم عرفات يومها الرتب.
وبعد اتفاق أوسلو عام 1994، تسلّم دحلان قيادة جهاز الأمن الوقائي في غزة، الذي كان يتولى عمليات التنسيق الأمني مع قوات الاحتلال، وهو ما دفعه إلى أعلى المراتب في سلطة الحكم الذاتي؛ من قائد لجهاز الأمن الوقائي، إلى مستشار عرفات للشؤون الأمنية إلى وزير للداخلية. بعد مباحثات كامب ديفيد، وعودة دحلان إلى قطاع غزة، بدأت ملامح التغيير تجاه أبو عمار، ولا سيما بعد اندلاع انتفاضة الأقصى، وحصار الزعيم الفلسطيني في مقر المقاطعة في رام الله، فركب موجة المطالبة بالإصلاح في السلطة الفلسطينية بدءاً من عام 2002، التي أوصلت أبو مازن إلى منصب رئيس الحكومة الأول في السلطة الفلسطينية، فيما تولى دحلان منصب وزير الداخلية في حكومته في عام 2003. حكومة لم تعمّر طويلاً، إذ استقالت في أيلول من العام نفسه، وحلّ أحمد قريع بدلاً من عباس في رئاسة الحكومة.
حينها تحوّل دحلان إلى أحد أقرب المقربين من أبو مازن، وحامل لواء الإصلاح في «فتح»، رغم أنه كان من أشد المعارضين لهذا الإصلاح؛ ففي الثامن من شهر تشرين الثاني 2001 فاجأ محمد دحلان الجميع بشدّة دفاعه عن عرفات، يوم كان يتعرّض لنقدٍ من الإصلاحيين في الشعب الفلسطيني. وقال «إن المحاولات الإسرائيلية لنزع الشرعية عن الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات هي محاولات يائسة وستبوء بالفشل».
أما المواجهة الشهيرة بين دحلان وعرفات فكانت في آب عام 2004، عندما وجه إنذاراً إلى الزعيم الفلسطيني بضرورة «الإصلاح»، ملوّحاً بإمكان الانقلاب عليه. وحينها، تلقى عرفات تحذيراً من مسؤول في أحد أجهزة المخابرات في دولة صديقة بأن وزير الداخلية يحوك مؤامرة تستهدف حياته، فاستدعى أبو عمار دحلان إلى مكتبه في رام الله وقال له: «اسمع يا دحلان قاتل أبيه لا يرث».
وكشف ممثل حركة «حماس» في لبنان، أسامة حمدان، في إحدى المقابلات التلفزيونية، أن دحلان طلب مساعدة حركة «حماس» في الانقلاب على أبو عمار خلال حصاره في مقر المقاطعة.
وفي 13/7/2003، وجّه محمد دحلان رسالة إلى وزير الدفاع الإسرائيلي في حينه شاؤول موفاز يقول فيها «إن السيد عرفات أصبح يَعد أيامه الأخيرة، لكن دعونا نذيبه على طريقتنا، لا على طريقتكم، وتأكدوا أيضاً من أن ما قطعته على نفسي أمام الرئيس (الأميركي جورج) بوش من وعود فإنني مستعد لأدفع حياتي ثمناً لها». وأضاف: «الخوف الآن أن يقدم ياسر عرفات على جمع المجلس التشريعي ليسحب الثقة من الحكومة، وحتى لا يقدم على هذه الخطوة بكل الأحوال، لا بد من التنسيق بين الجميع لتعريضه لكل أنواع الضغوط حتى لا يُقدم على مثل هذه الخطوة».
ورغم ابتعاده عن المناصب الرسمية وتخليه عن إدارة الأمن الوقائي في قطاع غزة، حيث عيّن مكانه أحد أكثر رجاله إخلاصاً، هو رشيد أبو شباك، كان دحلان يتحرك بموكب ضخم وبحراسة مشددة. وكان يمارس نشاطه من مكتبيه الرئيسيين في رام الله وغزة. وبقي مسيطراً على جهاز الأمن الوقائي الذي بناه في غزة، وجمع حوله آخرين من حركة «فتح» والقوى الأمنية في الضفة الغربية.
وفي تلك المرحلة، وثَّق دحلان علاقته مع محمد رشيد (خالد سلام)، المستشار المالي لعرفات. وعندما أصيب الزعيم الراحل بمرضه المميت، وتقرر سفره إلى باريس، طلب رشيد من أبو عمار أن يأخذوا دحلان معهم، قائلاً لعرفات: «إذا تركناه هنا فقد يعمل مشاكل».
وفي باريس، وجد دحلان نفسه من دون قصد أو تخطيط مسؤولاً عن الوفود الفلسطينية التي تأتي للاطمئنان إلى عرفات، وأيضاً ممولاً لها. وعندما توفي عرفات، أدرك دحلان أن مرحلة جديدة من التاريخ السياسي الفلسطيني قد طويت، وأن صفحة جديدة ستفتح، فعمل مع صديقه الحميم سابقاً محمود عباس، على تحديد معالم المرحلة الجديدة وحاول تقديم نفسه كممثل للجيل الشاب في حركة «فتح» خلال الانتخابات التشريعية التي جرت في كانون الثاني 2006، ومناهضاً للحرس القديم في الحركة.
وتمكّن دحلان، الذي كان يلقب بـ«رجل أميركا»، من الفوز بمقعد في المجلس التشريعي عن دائرة خان يونس، حيث فاز بباقي المقاعد مرشحو حركة «حماس»، ووجه بعضهم اتهامات لحركة «حماس» بأنها سمحت لدحلان بالفوز في معقلها في خان يونس.
وسرعان ما تحول دحلان بالنسبة إلى حركة «حماس» وعناصرها إلى العدو الرقم واحد؛ وعلى الرغم من أنه كان على ثقة بأنه سينجح في هزيمة «حماس»، إلا أن ما حدث كان مختلفاً؛ فـ«حماس» جيدة التنظيم، وقد تمكنت خلال انتفاضة الأقصى، من استقطاب العديد من الذين كانوا رفاق دحلان السابقين، الذين شكلوا «لجان المقاومة الشعبية» وبعض أجنحة «فتح» العسكرية واستفادت منهم في غير موضع.
قد تكون المواجهة الأخيرة بين «حماس» و«فتح» في قطاع غزة، التي انتهت بسيطرة «حماس» على القطاع، قد شكلت النهاية السياسية لمحمد دحلان، ولا سيما أنه خسر أذرعته السياسية والأمنية كافة في الأراضي الفلسطينية، إما بالإقالة أو الاستقالة، إضافة إلى استقالته من منصبه مستشاراً للأمن القومي، وفقدانه الحظوة لدى القادة السياسيين.
إلا أن مسار هذا الرجل ونقله لبندقية من كتف إلى آخر في أكثر من مرحلة من تاريخ السلطة الفلسطينية، قد يبقي الاحتمال قائماً بإمكان عودته إلى الساحة من أحد أبواب «فتح» المواربة.