باريس ــ بسّام الطيارة
انفتاح على المعارضة اللبنانية يمهّد لتوجّه مماثل حيال إيران وسوريا


تحدّث الرئيس الفرنسي الجديد نيكولا ساركوزي، خلال حملته الانتخابيّة، عن «قطيعة» مع سياسة سلفه جاك شيراك، فرماها الكثيرون في خانة الوعود الانتخابية، ولدى تحدّثه عن انفتاح على الوسط واليسار، أشار البعض إلى أنّه يأتي فقط في سياق «تفتيت المعارضة»، إلّا أنّه بدأ عهده بضمّ بعض أبرز وجوه اليسار إلى حكومته من دون الالتفات إلى النعوت والصفات التي تتطاير حول خياراته، وهو يستعدّ لخط مسار لقطيعة مع سياسات العهد المنتهي وخصوصاً في حقل الدبلوماسية، من دون التوقّف عند حساسيات «أصدقاء شيراك» في أوروبا وأفريقيا وحتّى الشرق الأوسط.
ويعود تكتّم الدوائر الرسمية على ما يدور خلف الكواليس، وبالأخصّ في ما يتعلّق بالسياسة الخارجية، إلى أنّ «إعادة صياغة كاملة لسياسة فرنسا» هي في طور الإعداد في مكاتب الإليزيه، وتحت إشراف مباشر من سيّده الجديد.
ومن هنا، فإنّ التوجّه الأوّل هو لإعادة فتح خطوط جديدة في منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا ومع العالم العربي خصوصاً، ومن ضمنه الملفان الإيراني واللبناني.
وبعدما ظهر إلى العلن ما بات يسمّى «انفتاح باريس على المعارضة» اللبنانية، يتوقّع العديد من المراقبين أن يعقب ذلك انفتاح على طهران. فقد لوحظ تغيّر طفيف في ما بات يُطلب من إيران على لسان أكثر من دبلوماسي فرنسي، وكان أوضحهم الناطق الرسمي لوزارة الخارجية جان باتيست ماتيي، الذي شرح في آخر لقاءاته بأنّ المباحثات الحاليّة تهدف إلى «وقف التخصيب بالتوازي مع رفع العقوبات».
أمّا بالنسبة إلى سوريا، فإنّ طرح نوع من طاولة مستديرة لدول الجوار حول لبنان، والذي يبدو أن فرنسا تعمل عليه، كان قد بدأ همساً في الأروقة قبل صدور القرار ١٧٥٧ المتعلّق بإقرار المحكمة الدولية، أمّا اليوم، فإن التوجّه العام يقول «نحن حاضرون إذا طلب منّا ذلك الفرقاء اللبنانيون».
ويتّفق المراقبون على القول إنّ مجرّد تداول هذه الفكرة هو نوع من «دعوة دمشق إلى الدخول من الشباك» على الملف اللبناني، ويعيد البعض حوافزه إلى «يد قطرية» حثّت ساركوزي على سلوك طريق الانفتاح على سوريا، بعدما حصلت فرنسا على ما كان شيراك يطالب به، أي المحكمة الدوليّة.
وقد سُمِعت في أروقة الإليزيه عبارات مثل «سنتعامل مع الخبرة والإمكانات أيّاً كانت توجّهاتها السياسية، شرط قبولها بالعمل ضمن الخطوط التي رسمها الرئيس»، وهو ما يجسّد قواعد العمل التي كانت وراء «عدم انضمام هيوبر فيدرين» إلى الفريق الحكومي وفتحت باب الـ «كي دورسيه» (وزارة الخارجيّة) أمام برنار كوشنير، بغضّ النظر عن الشائعات حول «الفيتو اليهودي».
ومن هنا، فإن الأوساط الدبلوماسية تنكبّ على دراسة الآليّة الدبلوماسيّة التي يعمل ساركوزي على تركيبها على شاكلة جسر يربط بين «الكي دورسيه» والإليزيه، وقد بدأت الوجوه الجديدة باحتلال مراكزها إلى جانب وجوه اعتاد الدبلوماسيّون التعامل معها.
أمّا في الإليزيه، فإنّ العمل جارٍ على قدم وساق لإخراج «مجلس الأمن الوطني» من إطار «الأفكار المتداولة» ليُصبح أداة الرئيس في تخطيط سياسة فرنسا بشأن أمنها الوطني ووضعها. وثمة شبه اتفاق على أن جان دافيد ليفيت هو المرشح ليحتلّ رئاسة هذا الجهاز المنسوخ عن الولايات المتحدة رغم تململ بعض الدبلوماسيين من «الاستعمال المزدوج» لإمكانات الخبراء، فيما يرى محلّلون أن المجلس المنتظر سوف «يرث خليّة الإليزيه الدبلوماسية» مع إمكان توظيف عدد أكبر من الخبراء، وهذا ما يُبقي السياسة الخارجية في الإليزيه كما كانت عليه دائماً.
وكان النائب الشيراكي بيار لولوش المعروف بـ «الأطلسي» لطروحاته الملتصقة بطروحات واشنطن، يطمح لتولّي منصب رئاسة «مجلس الأمن الوطني»، إلّا أنّ مصادر موثوقة ذكرت لـ «الأخبار» أنّه من المحتمل أن يحلّ سفيراً في واشنطن وإن كانت حظوظ سكرتير عام وزارة الخارجية إتيان فور كبيرة ولا يزال اسم مدير قسم السياسة والأمن في الخارجية جيرار أرو متداولاً في هذا الشأن.
لكن من الممكن أيضاً أن يأتي ساركوزي بمفاجآت جديدة في «قافلة التعيينات» المنتظرة بعد الانتخابات، كما يتوقّع البعض أن يعمد في حال حصوله على «أكثرية ساحقة» إلى «حفلة تنظيف كاملة تطال الشيراكيّين»، وخصوصاً أنّ الكثير من التسريبات تتوقّع «انفجار مجموعة من الملفّات الشيراكية» التي يمكن أن تنعكس ثقلاً على بعض ملفّات السياسة الخارجية إذا لم تحصل حملة التنظيف المنتظرة.