عقب اللقاء الأول بين رئيسَي الولايات المتحدة وكوبا منذ نصف قرن من الزمن، الذي عُقد على هامش قمة الدول الأميركية في بنما يوم السبت الماضي، قال الرئيس باراك أوباما إن الاجتماع المغلق «كان صريحاً ومثمراً، (رغم أن لدى الطرفين) رؤية مختلفة جدا حول طريقة تنظيم المجتمع».وكان أوباما قد قال في كلمته أمام الزعماء المشاركين في القمة إن التقارب بين بلاده وكوبا يمثل منعطفاً بالنسبة إلى الأميركيتين، مضيفاً أن «جلوسي والرئيس كاسترو هنا اليوم يمثل حدثاً تاريخياً» بحد ذاته. أما الرئيس الكوبي فيديل كاسترو، الذي يحضر «قمة الأميركيتين» للمرة الأولى منذ بدأت في ميامي عام 1948، فقال بعد حديث طويل عن تدخلات الإدارات الأميركية السابقة في الشؤون الكوبية والأميركية اللاتينية إن أوباما «رجل صادق»، معبّراً عن رغبته بـ«حوار محترم» يتطلع إلى «تعايش متحضر» على الرغم من «الاختلافات الكبيرة» بين البلدين.

وبالرغم من الغزل المتبادل بين العدوين التاريخيين، ومن قول أوباما قُبيل افتتاح القمة إن عصر تدخل بلاده في شؤون جاراتها اللاتينية «بلا عقاب» قد ولّى، لم تتخل الولايات المتحدة فعلياً عن الخطاب «التدخلي» بامتياز، إذ أصر الرئيس الأميركي على الحديث عن «الديموقراطية» و«حقوق الإنسان» في الجزيرة التي تحاصرها بلاده منذ نصف قرن، علماً بأنه كان قد قال قُبيل القمة أمام تجمع لأوساط كوبية معارضة لكاسترو في ميامي إن على الولايات المتحدة أن تعيد النظر في سياستها تجاه كوبا، مع الإبقاء في الوقت نفسه على هدف المساعدة على «تحرير الجزيرة»! ومن جانبه، أعلن الرئيس الكوبي السابق فيدل كاسترو (88 عاماً) عن دعمه لمفاوضات تطبيع العلاقات مع الولايات المتحدة، إلا أنه أعرب في الوقت نفسه عن «عدم ثقته» بسياسات واشنطن.
وكان مسؤول أميركي رفيع المستوى قد ذكر أن اللقاء الذي جمع بين وكاسترو يوم السبت الماضي كان بمثابة تقويم للتقدم المحرز في تطبيع العلاقات بين البلدين، مع إشارته إلى أن الرئيس الكوبي لم يوجه دعوة إلى نظيره الأميركي لزيارة بلاده. وأوضح المسؤول أن الرئيسين بحثا مسألة التهريب بين البلدين، وإعادة فتح السفارات، وأن الرئيس الأميركي تعهد بإتمام الأمر الأخير، وأنه طلب من المسؤولين الأميركيين الذين حضروا اللقاء تذليل كافة العقبات في هذا الشأن. وأضاف المسؤول نفسه أن الرئيسين «قوّما» طلب كوبا رفع اسمها من قوائم الدول الراعية للإرهاب، وأن أوباما قال لنظيره الكوبي إنه سيتخذ قراراً في هذا الشأن «خلال الأيام المقبلة».
وكان وزير الخارجية الاميركي جون كيري قد أعلن يوم الأول من أمس الاحد أن وزارته رفعت توصية الى الرئيس تقضي بإزالة كوبا عن لوائح «الإرهاب» الأميركية، قائلاً: «أريد أن أترك للرئيس الوقت الذي يحتاجه»، في ضوء دراسة اللجان المعنية بالمسألة!
ويطالب الجانب الكوبي بضرورة رفع الحظر الأميركي عن تقديم الخدمات المصرفية للمصالح الكوبية، حيث أكد وزير الخارجية الكوبي برونو رودريغيز امام القمة ان الجولة الجديدة من المحادثات المتعلقة بإعادة فتح سفارتي البلدين ستعقد «في اقرب وقت ممكن»، وأن ثمة عقبات كبيرة على طريق التطبيع، على رأسها الحظر الكامل على الصفقات الاقتصادية والمالية مع كوبا المفروض منذ عام 1962. ويُذكر في هذا السياق أن مجمل الاقتصاد الكوبي قبل الثورة عام 1959 كان تابعاً للولايات المتحدة، بسيطرة الشركات الأميركية على أكثر من ثلثيه، بما في ذلك 90% من صناعات التعدين، و90% من قطاع الكهرباء والاتصالات الهاتفية، و80% من المرافق العامة، ونصف محصول قصب السكر.
وفي سياق متصل، أعلنت المتحدثة باسم البيت الابيض كاترين فارغاس أن اوباما اجرى يوم السبت الماضي «حديثاً مقتضباً» لبضع دقائق مع نظيره الفنزويلي نيكولاس مادورو على هامش قمة الاميركيتين، هي المحادثة الأولى منذ تولي مادورو السلطة في نيسان من عام 2013 بعد وفاة الرئيس هوغو تشافيز. ونقلت فارغاس عن اوباما تكراره القول ان «مصلحتنا ليست في تهديد فنزويلا، ولكن بدعم الديموقراطية والاستقرار والازدهار في فنزويلا وفي المنطقة».
وقالت بيرناديت ميهان المتحدثة باسم مجلس الأمن القومي الأميركي إن «الرئيس أوباما أشار إلى دعمنا القوي لإجراء حوار سلمي بين الطرفين داخل فنزويلا»، مشيرة إلى الأزمة الاقتصادية للأخيرة، وإلى سجن عدد كبير من معارضي حكومة الرئيس مادورو.
وفيما تمثل التصريحات تلك دليلاً إضافياً على زيف وسخافة الادعاء الأميركي بالكف عن التدخل في الشؤون الداخلية لبلدان أميركا اللاتينية، حذر مادورو نظيره الأميركي خلال القمة من حذو نهج سلفه «جورج بوش عبر دعم انقلاب في فنزويلا».

(أ ف ب، الأناضول، رويترز)