باريس ــ بسّام الطيارة
يلفّ الضباب توجهات الدبلوماسية الفرنسية، رغم اتفاق الجميع على أن تغيرات بدأت تظهر في أفق وزارة الخارجية الفرنسية لترسم ملامح القطيعة التي وعد بها نيكولا ساركوزي، وجسّدها اختيار برنار كوشنير ليحمل لواءها في الخارج


يرى البعض أن قرب الانتخابات النيابية يمنع نيكولا ساركوزي من «الانغماس كلياً في جبلة التغيرات» إضافة إلى ضرورة «تزييت آلية جهازه الجديد»، وهو ما يتطلب بعض الوقتوخصوصاً لتجاوز العادات التي أوجدتها سنوات الشيراكية في الدبلوماسية الفرنسية، وليعتاد الأفراد الآتون من إدارات مختلفة ليؤلفوا هذا الجهاز، العمل بعضهم مع بعض.
رغم هذا كله، فإن ما بدر من تغيرات يدل على وجود نيات للتغيير، وخصوصاً في ما يتعلق بشكل مباشر وغير مباشر بالملف اللبناني وبروز رغبة بتوسيع إطار المعالجة ليتجاوز «الثنائية الشيراكية ــــــ اللبنانية» التي طغت عليه في السنوات الأخيرة، والانفتاح على رؤية تشمل الأبعاد الإقليمية، وخصوصاً البعدين السوري والإيراني.
ويرى بعض الدبلوماسيين أن باريس لم تدخل فقط في ما بعد الشيراكية بل هي أيضاً باتت «في ما بعد المحكمة»، وهي لا تريد التقوقع على أهداف جامدة تزيد «تكلّس الوضع» وتدهوره مثلما يظهر من التوتر المتزايد على الأرض اللبنانية.
ومن هنا، تعطي بعض الأوساط أهمية خاصة «للرسالة التي وجهها ساركوزي إلى الرئيس (السوري بشار) الأسد» بمناسبة إعادة انتخابه. ويشير هؤلاء إلى أن «الخبر هو في غياب الخبر»، إذ إن هذه الرسالة لم يعلن عنها مثلما يحصل في الحالات البروتوكولية المشابهة، الأمر الذي ترك مجالاً واسعاً لتأويلات عديدة حول «حرارة مضمون الرسالة» والانفتاح الجديد الذي يمكن أن تُعدّ له.
ومرة أخرى، يبرز اسم قطر وراء «الإسراع في حركة التغيير» الذي تشهده الدبلوماسية الفرنسية في هذا الملف، وهو ما تؤكده مصادر متنوعة، وإن كانت لا تذهب إلى أي ربط بين «صفقة العصر» بقيمة ١٦ مليار دولار التي وقعها الأمير حمد بن خليفة آل ثاني الأسبوع الماضي «تحت أنظار ساركوزي» أو صفقة الرادارات بقيمة ٢٦٠ مليون دولار. إلا أن هذه المصادر ترى في التوقيت «إشارة سياسية ذات مغزى»، وخصوصاً أنه حسب العديد من المهتمين بشؤون الطيران والدفاع، فإن هذه الملفات كانت حاضرة للتوقيع منذ شهر على الأقل، لكن توقيعها في عهد ساركوزي يفتح أمام الرئيس الفرنسي باب القول «إن الأبواب العربية وأسواقها ليست محصورة بالعلاقات الشيراكية».
ويتوقع البعض خلال هذه الفترة «مبادرة قوية» باتجاه السعودية قد تتمثل بزيارة تكون الأولى لساركوزي إلى المنطقة. ويرى هؤلاء أن باريس تنتظر لتبتّ الأمر في «الأسبوعين المقبلين» لأسباب منها المحلي والإقليمي؛ إذ إنه رغم التشاؤم في الملف النووي الإيراني، فإن باريس ترى بعض الانفراج الذي يمكن أن يتجسد في اللقاء المرتقب بين ممثل إيران وممثل الدول الست، وتستعد «للقفز على الطروحات الإيرانية حول الملف اللبناني» كما ذكرها أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني علي لاريجاني لصحيفة «فيغارو».
ويربط بعض المراقبين الترقب الفرنسي أيضاً «بإجابات منتظرة» عن مجموعة من الأسئلة التي وجهت إلى عدد من اللاعبين البارزين في لبنان وفي المنطقة بشكل مباشر أو غير مباشر. ويرى دبلوماسي مقرب من الملف، أن اللقاءات التي جمعت الجنرال ميشال عون مع الوزير كوشنير وكبار مسؤولي الوزارة المختصين بشؤون الشرق الأوسط تدخل ضمن عملية «جس النبض» هذه التي يمكن أن تقود إلى طاولة حوار تعقد في باريس أو في بلد أوروبي قريب، وهي الفكرة التي تتداولها بقوة الأوساط الدبلوماسية في العاصمة الفرنسية. ويستبعد بعض المطلعين أن تقوم باريس بـ«مبادرة مكشوفة» تجاه حزب الله رغم بقاء «القنوات العادية» سالكة، بحسب تعبير أحد المسؤولين القريبين من الملف اللبناني.