هايليغندام ــ غسان أبو حمد
مع تحركات جماعات الرفض للعولمة ورفع مستوى الاستنفار الأمني لمواجهة المناهضين لقمة الثماني في مدينة هايليغندام الألمانية، دخلت الصحافة إلى عالم الأرقام والحساب والتسويق، فأشارت إلى الموازنات المالية التي تصرف سنوياً لتنظيم أعمال هذا النوع من القمم وما يرافقها من عملية تسويق لمنتجات الأسواق، في إشارة إلى الأسلوب الدعائي الذي لا يتورّع عن إنتاج منتجات باسم العولمة صالحة للتسويق، ومنها شوكولاتة العولمة ومشروبات العولمة.
تبدو التكاليف التي صرفت على قمة «الأغنياء»، والتي بلغت نحو مئة مليون يورو، متواضعة في حال مقارنتها بالتكاليف التي صرفت على قمم مماثلة تحت العنوان نفسه، ولا سيما أن تلك التي عقدت في اليابان (ناغو) في العام ألفين هي الأعلى والأغلى. في حينه بلغت التكاليف 800 مليون يورو. والمفارقة أن هذه القمة الأغلى ثمناً كان عنوانها الرئيسي «البحث في مديونية الدول الفقيرة».
ويشير بعض الإعلاميين المطّلعين عن كثب على الموازنات المالية إلى أن مئات الملايين التي صرفت قبل عام لتجهيز القمة التي عُقدت في روسيا (سانت بطرسبرغ) كانت بمثابة «إغراء وإغواء» بهدف جذب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى عضوية فريق «الثماني».
وفي القمة الحالية، بلغت كلفة تأمين سلامة ثمانية قادة (رؤساء ورؤساء حكومات): 16 ألف شرطي، وألف جندي، وبارجة حربية ألمانية، وبارجة وطراد حربي أميركي، وعشرات زوارق الحماية الحربية السريعة، وجدار من الإسمنت (5 آلاف طن) طوله 12 كيلومتراً وعلوه 250 سنتم، و300 متر مربع من الألغام، وجدار جوي محيطه 55 كيلومتراً يحظّر على أي جسم طائر الدخول إليه، بالإضافة إلى 38 طباخاً وطاهياً من المطابخ الأمنية.
وعند المراقبة الهادئة لهذه التطورات التي رافقت قمم «الأغنياء»، مالاً وعديداً، يمكن الإشارة إلى أن القمة الأولى التي كان قد دعا إليها الرئيس الفرنسي الأسبق فاليري جيسكار ديستان في عام 1975 في مدينة رامبوييه شاءها في حينه «حديثاً هادئاً حول المدفئة»، فتحولت تدريجياً إلى حصن من الإسمنت المسلح ومن المعدات والرجال المسلحين.
اليوم، بعد 37 عاماً من عمر «قمة الدول الصناعية»، اتسعت العضوية من ستّ دول إلى ثماني بعد انضمام روسيا وكندا. وفي العودة إلى جداول أعمال القمم، يتبين أن مواضيع الاقتصاد والأسواق كان المفتاح الرئيسي في مرحلة السبعينات من القرن الماضي، ومواضيع السياسة الأمنية إقليمياً ودولياً في مرحلة الثمانينات. وبعد سقوط جدار برلين وانهيار الاتحاد السوفياتي في التسعينات، سيطر موضوع مكافحة الإرهاب الدولي على جميع المواضيع، وإن جرى تغليفه «لفظاً» بتشكيلة من المواضيع الأخرى، كالبيئة والجوع، إلا أن «الإجراءات الأمنية العملية» كافية للدلالة عليه.
وإلى جانب إجراءات الأمن والمال، دخل التسويق التجاري إلى أروقة القمة، حيث بدأت بعض مصانع الحلويات بالترويج لإنتاجها الجديد «شوكولا العولمة» الخالي من المضار الصحية والمصنوع من مواد صديقة للبيئة بالإضافة إلى مشروب «بيرة» ومياه غازية غير «معادية للبيئة».
وفوجئ الصحافيون العاملون على تغطية أعمال القمة بتوزيع نوع من الشوكولا أنتجه مصنع في مدينة روستوك. ويفيد الغلاف المرفق على علب «شوكولا العولمة»: «يمكن للمتظاهرين المعادين للعولمة الاستفادة من هذه النوعية الجيدة الرخيصة في الأسواق. إن شوكولا مجموعة الثماني مصنوعة من مواد عضوية صديقة للبيئة ولا تخالف قواعد الممارسات التجارية السليمة».
وبمناسبة انعقاد قمة مجموعة الثماني في ألمانيا، أُنتج نوع خاص جديد من الجعة (البيرة). وقد قامت شركة محلية بإنتاج نحو 10 آلاف ليتر من البيرة تحت عنوان «بيرة العولمة»، وهي من نوع قوي مشهور في ألمانيا لاحتوائه على نسبة 8 في المئة من الكحول.