مقديشو ــ الأخبار
القراصنة عادوا بشراسة إلى سواحل الصومال المميتة ويهددون بوقف النشاط البحري. 10 ملايين دولار فديات دفعت، وبعضها ذهب إلى سماسرة، والحكومة عاجزة من دون الدعم الدولي

لقد عادوا بشراسة أكبر، يجوبون مياه المحيط الهندي والبحر الأحمر بقواربهم البخارية السريعة، مسلحين بأجهزة تقنية حديثة استعداداً للانقضاض على فريسة سيطلقون سراحها في ما بعد في مقابل فدية من المال وكميات من الطعام والمساعدات الطبية.
بالنسبة إلى العالم، فإن تزايد نشاط القراصنة وتصاعد وتيرة أعمالهم، التي وصلت خلال أقل من شهرين إلى عشر محاولات خطف لسفن ببحارتها وطواقمها العاملة، بات يمثّل كابوساً بحرياً رهيباً.
أما بالنسبة إلى القراصنة أنفسهم، فإن الأمر لا يعدو كونه وسيلة للاسترزاق والحصول على عملة صعبة وقضاء وقت مثير ما بين المطاردات والاختباء.
يكشف مسؤول صومالي أشرف بنفسه على التحقيقات التي جرت مع بعض القراصنة المعتقلين العام الماضي، لـ«الأخبار»، أن بعض القراصنة يرتبط بعلاقات مالية وأمنية مع بعض قادة الفصائل والعشائر وأمراء الحرب السابقين في مقابل تقاسم الربح أو الحصول على جزء منه.
لشن عملية ناجحة للقرصنة، إن كل ما تحتاجه، بحسب المسؤول نفسه، هو 20 رجلاً مسلحاً على متن قاربين يجولان بهدوء في عمق المياه الإقليمية، وعندما تقترب الفريسة (الهدف)، فإن طلقات الرصاص ستتكفل بإخماد أي مقاومة، وإذا ما تدهورت الأمور، فقذيفة صاروخية واحدة يمكن أن تعطب السفينة أو تغرقها أو تنسفها. الخيار يبقى دائماً لقائد السفينة وربانها.
لم يدرس القراصنة علم النفس، لكن غريزة البحث عن المال مكنتهم من اكتشاف الطريقة المثلى لتحقيق هدفهم بسرعة؛ فبحارة السفن لن يغامروا في إضاعة سفنهم وحمولتها، وهم مستعدون، في مقابل إطلاق سراحهم وتأمين عودتهم، إلى التفاوض مقابل بعض المال.
في العام الماضي، كما يعترف مسؤول عشائري صومالي، وصل إجمالي الفديات التي دفعت إلى أكثر من 10 ملايين دولار أميركي، بعضها مرئي ومباشر، والآخر ذهب إلى وسطاء.
غالبية القراصنة مجرد أشخاص عاديين، وبعضهم لم يستكمل تعليمه ولا يعرف حتى كيف يمكنه أن يكتب اسمه، لكنه يحصل على راتب متوسط يبلغ 20 دولاراً أميركياً في اليوم، وهو مبلغ يزيد على نصف ما اعتاد أمراء الحرب دفعه لعناصر ميليشياتهم المسلحة في مقابل ترويع الناس في البر أو ابتزازهم وفرض أتاوات عليهم لعبور هذه الطريق أو ذاك.
ومع أن نشاط أمراء الحرب قد اختفى وكادت نقاط التفتيش الوهمية التي أقاموها تنقرض، فإن قراصنة البحر يعيدون الكرة من جديد في تتابع مذهل.
لا يعرف أحد تحديداً أوكار القراصنة الذين شملت عملياتهم على مدى الأيام الأخيرة مناطق مختلفة من سواحل الصومال الطويلة والممتدة، بينما تعجز السلطة الانتقالية التي يقودها الرئيس الصومالي عبد الله يوسف عن وضع حد لنشاط هؤلاء الذين تقدر مصادر مسؤولة عددهم بنحو 300 شخص.
هذا العدد، كما تشير المصادر، ليس كبيراً، لكن بفضل التكتيكات التي يتبعونها، والتي تسبب صداعاً في رأس أصحاب السفن والبواخر، بإمكانهم أن يسببوا وقف النشاط البحري في هذا البلد المضطرب.
يقول مسؤول غربي على صلة بملف القراصنة: «إنهم يشبهون عناصر الجنجويد في إقليم دارفور في غرب السودان، وإذا كان هؤلاء يعني اسمهم الجن الذين يركبون الخيل، فإن جنجويد الصومال أو قراصنته هم الجن الذين يركبون البحر».
هل يحمل الأمر مبالغة؟ «ربما لا»، يقول دبلوماسي عربي يعمل في الصومال، موضحاً أن «القراصنة يمثلون بالفعل كابوساً رهيباً ولا أحد قادر على منعه. ينبغي أن تسعى الحكومة الصومالية بالتعاون مع المجتمع الدولي إلى الحد من خطرهم. قد ينتهي الأمر بمنع السفن من المرور صوب سواحل الصومال».
وبدلاً من أن تكون السواحل التي يصل طولها إلى 3 آلاف كيلومتر بمثابة وسيلة مضمونة للحصول على مساعدات دولية وإغاثية في بلد دمرته تماماً الحرب الأهلية التي اندلعت عقب سقوط نظام حكم الرئيس المخلوع محمد سياد بري عام 1991، فإن المساعدات تكاد تتوقف تحت تأثير ضربات القراصنة.


القراصنة والإرهابيون
منذ عام 1991، تفشت القرصنة في المياه قبالة ساحل الصومال. وتظهر بيانات مكتب البحرية الدولي أن القرصنة انتقلت من المياه الساحلية إلى أعالي البحار على بعد 200 ميل من الساحل.
وعلى الرغــــــم من وجـود قوات تابعة للتحالف الذي تقوده الولايات المتحدة في منطــقة القرن الأفريـــــــقي لمراقبة سواحل الصومال بهدف منع تسلل إرهابيين إلى المنطقة، فإن البحرية الأميركية اعترفت بأنه لا يمكنها أن تكون في كل مكان ومراقبة كل سفينة تمر أمام ساحل الصومال.
هل يمكن أن ينوب القراصنة عن الإرهابيين؟ سؤال يرى مسؤول في الاتحاد الأوروبي أنه بات مطروحاً، فإذا كان بإمكان القراصنة الاختباء في أماكن معينة على السواحل الصومالية واستخدامها أوكاراً لهم تمهيداً لضرب ضربتهم ثم العودة مجدداً، فإن الكابوس الأخطر هو أنه يمكن أن يهرب القراصنة الإرهابيين إلى داخل الأراضي الصومالية عبر البحر بأجر.
ويقول المسؤول الأوروبي، الذي طلب عدم تعريفه، لـ«الأخبار»، إن «هذا أمر طبيعي، إنهم يعملون من أجل المال. وإذا كان الحصول عليه يعرضهم للمخاطر واحتمال مواجهة قوات أميركية وغربية منتشرة على طول السواحل، فما الذي يمنعهم من الحصول على الأجر نفسه في مقابل مخاطرة أقل؟».



جيدي لـ«الأخبار»: على العالم مساعدتنا
في وقت تحذّر فيه غالبية دول العالم سفنها من الاقتراب من السواحل المميتة للصومال وتهدد المنظمات الإنسانية والدولية بوقف عملية إيصال المساعدات إلى ملايين اللاجئين الصوماليين بسبب عودة النشاط الإرهابي لقراصنة البحر، فإن رئيس الوزراء الصومالي علي محمد جيدي يقول إن حكومته، في ظل نقص الإمكانات والمساعدات المالية والتقنية، تظل عاجزة عن مواجهة خطر هؤلاء.
ويضيف جيدي، لـ«الأخبار»: «على العالم أن يساعدنا إذا أراد أن نساعده. حتى تتعامل مع القراصنة يجب أن تتوافر لديك القدرات والإمكانات، ونحن لا شيء لدينا، مجرد وعود وأمنيات لا طائل من ورائها».
ووصفت الأمم المتحدة عمليات القرصنة بالطاعون الذي يهدّد بقطع الإمدادات الحيوية للمعونات عن مليون شخص، حيث يمثل نشاط القراصنة تصعيداً خطيراً في نمط الهجمات لأنها أصبحت تهدد ممرات التجارة الدولية.
وحتى إذا اعتُقل القراصنة، فإن العقوبات المحددة ضدهم ضعيفة في دولة تفتقر أساساً إلى الكثير من المؤسسات الرادعة مثل القضاء والمخابرات، فضلاً عن جهاز أمني قوي.