برلين ــ غسان أبو حمد
لا تتوقّف الإنذارات الدولية عن الصدور محذّرةً من مخاطر التغيير المناخي وتأثيراته على الحياة البشرية خلال السنوات المقبلة. لكنّ التعامل مع الإنذارات كان دائماً دون مستوى التهديد، حتى ما خرجت به قمة الثماني الأسبوع الماضي من اتفاق على خفض انبعاث غازات الدفيئة، لا يزال بعيداً عن التأثير على التغييرات المناخية المرعبة

  • التغييرات المناخية تهدّد بانقراض 20 إلى 30 % من الكائنات الحيّة المعروفة


  • في السادس من شهر نيسان الماضي، وعشية عيد الفصح لدى الطوائف المسيحية، عُقدت قمّة المناخ والبيئة في بروكسل، لتطلق إنذاراً مرعباً وكارثياً إلى جميع سكان الأرض: «إن تبعات التغيير المناخي ستؤدّي إلى انقراض ما يراوح بين 20 و30 في المئة من أنواع الكائنات الحية المعروفة. وستؤدي إلى عطش سُدس سكان العالم بسبب الجفاف، وإلى غرق الملايين من البشر بسبب الفيضانات، وإلى ابتلاع الأرض لسكانها بسبب الزلازل، ناهيك عن الاختناق الحتمي بسبب الغازات السامة والاحتباس الحراري».
    ويضيف تقرير قمّة المناخ والبيئة ما هو أخطر بكثير: «إذا اتخذنا قراراً فورياً بوقف انبعاث الغازات السامة، ومنها ثاني أوكسيد الكربون، فسيستمر الاحتباس الحراري طوال هذا القرن، وتتواصل حالات الانقلاب المناخي في فصول الطبيعة، وتتفاقم موجات انقراض بعض الكائنات الحيّة، وخصوصاً الحيوانات الصحراوية والثلجية والبحرية التي تستمدّ قدرات عيشها من درجات الحرارة الثابتة على كوكب الأرض».
    كان يمكن هذه المقدّمة المخيفة، صياغة وأسلوباً، أن تمثّل فصلاً من فصول أفلام الرعب الخيالي، لكن أن يحويها تقرير علمي ممهور بتواقيع علماء المجلس الاستشاري الدولي للبيئة والمناخ يكفي لدبّ الرعب في أوساط من «يعنيهم الأمر»، وهم الكائنات الحيّة على كوكب الأرض.
    ثلاثة فصول
    هذا هو العام الأول الذي تقضيه برلين بثلاثة فصول فقط. غاب فصل الشتاء تماماً، ونادراً ما لجأ البرلينيون إلى المعاطف السميكة أو إلى وسائل التدفئة المنزلية. ويؤكد بعض سكان الشمال الألماني أن الاحتفال الشعبي المعروف باسم «شعلة عيد الفصح»، وهو تقليد تاريخي يستخدمه سكان القرى لطرد فصل الشتاء واستقبال فصل الربيع، لم يكن ضرورياً على الإطلاق هذا العام. فصل الشتاء لم يأت وحلّ مكانه فصل الربيع، حتى فصل الصيف حلّ باكراً.
    مفاجأة العيش بثلاثة فصول سنوية، قرّبت نتائج تقرير قمة المناخ والبيئة من واقع الحياة لدى الأوروبيين، وهذا ما زاد في حجم الرعب وجديّة الموقف، وبالتالي ضرورة البحث عن الوسائل والإجراءات الكفيلة بإنقاذ ما يمكن إنقاذه.
    بين العلم والواقع
    كانت العودة ضرورية إلى تفاصيل التقرير النهائي لقمة المناخ والبيئة لربط الواقع المعيش بالنتائج العلمية. يشير التقرير، الذي هو خلاصة عمل ونشاط أكثر من 2500 عالم طوال ستّ سنوات وفي جميع بقاع الأرض، إلى أن متوسط درجة حرارة الأرض سيرتفع بنسبة تراوح من 1,1 إلى 6,4 درجة مئوية بسبب المستويات الحالية لانبعاثات غازات الاحتباس الحراري. كما يشير التقرير إلى أن ارتفاع درجات الحرارة بنحو أربع درجات حتى عام 2080، ستكون نتيجته تآكل الكتل الجليدية في القطبين الشمالي والجنوبي في النصف الثاني من هذا القرن، وبالتالي، سيشهد كوكب الأرض ارتفاعاً في مستوى سطح البحار قدره 59 سنتمتراً، إضافةً إلى حالات الطوفان المائي في الأنهار والبحار. كما ستشهد بورصة الاقتصاد العالمي تراجعاً في الإنتاج وخسائر تراوح من واحد إلى خمسة في المئة من إجمالي الإنتاج المحلي للعالم. والمهمّ، إلى جانب الخسائر الاقتصادية، هو نسبة الخسائر في الأرواح، فعلى سبيل المثال «ستخسر أوروبا وحدها ما يقارب ستين في المئة من نباتها وحيواناتها».
    وكان الصندوق العالمي للطبيعة قد حذّر أخيراً من أن التغيير المناخي يهدّد عشر مناطق أو أجناس حية تعدّ من روائع الطبيعة، ومن بينها غابات الأمازون والكتل الجليدية في الهملايا ونمور البنغال. وأشار إلى أن 30 إلى 60 في المئة من غابة الأمازون، التي تحوي 40 ألف نوع من النباتات و427 جنساً من الثدييّات، قد يتحوّل إلى سهول مقفرة. كما أدرجت على لائحة الروائع المهدّدة صحراء شيواوا الممتدة بين الولايات المتحدة والمكسيك التي تؤوي 3500 نوع من النباتات والحيوانات النادرة.
    وفي هذا المجال، تشير المسؤولة العلمية عن برنامج المناخ في الصندوق العالمي للطبيعة، الدكتورة لارا هانسن، إلى بعض أبرز الأخطار المقبلة بالقول «إن جميع الروائع الطبيعية والأجناس النادرة في الكائنات الحيّة، من السلاحف إلى النمور من صحراء شيواوا الى الأمازون كلها مهددة بالانقراض نتيجة الاحتباس الحراري، الذي يتهدّد بدوره احتياطي المياه العذبة على الأرض».
    «شعار» الدول الصناعية
    إن قمة المناخ والبيئة التي عُقدت في بروكسل، ليست القمة الأولى ولن تكون الأخيرة بكل تأكيد. إن النتائج التي تضمّنها تقرير علماء البيئة وخبراء المناخ، هو حصيلة نشاط علمي بدأ في الخمسينات من القرن الماضي وتواصل في اجتماعات ودورات علمية وقمم سياسية دولية، من دون التوصل إلى نتيجة عملية توقف حالة الانحدار نحو الموت والانقراض. دائماً كان الاتفاق سائداً وعامّاً حول حالات التوصيف والمخاطر، ونادراً ما كانت الحلول وإجراءات الإنقاذ بمستوى حالة الخطر.
    إنه خطر الموت والإبادة لسكان الأرض، ومع ذلك تؤجّل الحلول من اجتماع إلى آخر. هذا الرعب الموثّق علمياً، بدأ تفصيلياً في شهر شباط من العام الجاري، وأُعيدت صياغته المخيفة، وللمرة الثانية، في القمة التي عُقدت في بروكسل في السادس والسابع من شهر نيسان الماضي.
    الخطير جداً أمام هذه التحديات المصيرية، هو شعار بدأت الدول الصناعية الكبرى التمهيد له وتسويقه، وهو يحافظ على وتيرة التلّوث البيئي الذي تنتجه مصانعها من دون تحميلها عبء اتخاذ إجراءات وقائية للتخفيف من وتيرة إنتاجها الصناعي، وبالتالي تلويثها وتسميمها للحياة على كوكب الأرض. فحوى هذا الشعار الرأسمالي الجديد «التلوث قضاء وقدر، والمطلوب عوضاً عن مقاومة قضاء الطبيعة، هو دعوة الفقراء والمستهلكين إلى التكيّف مع قدرهم الجديد».
    وتحاول الدول الصناعية تعميم المسؤولية كي تشمل الجميع، فيتساوى بذلك من يبثّ السموم مع من يتنشقها، وبالتالي، تبدو الدول الفقيرة، مسؤولة عن عدم تكيّفها مع ظروف المناخ الجديدة، التي وضعت الدول الصناعية الكبرى إطارها السامّ.
    وتربط الدول الصناعية عملية تأخيرها لوقف تلويث المناخ بعجلة الإنتاج، وهي تحاول دائماً تأخير تطبيق الإجراءات والوسائل الكفيلة بوقف بث الغازات السامة.
    وعلى الرغم من وضع اتفاقية «كيوتو» جدولاً يحوي أسماء الدول المسؤولة عن تلويث المناخ، إلا أن بعض هذه الدول الصناعية، تحاول التخفيف من حدة الإجراءات، تارةً برفض توقيع الاتفاقية (الولايات المتحدة والصين) وطوراً بتخفيف اللهجة والتأجيل (السعودية).
    ووضع فريق ألماني من أنصار حماية البيئة يُعرف باسم «جيرمن ووتش» قائمة شملت 56 دولة وصفت بأنها «لا تعمل على حماية المناخ». وتعدّ الولايات المتحدة، التي انسحبت من اتفاقية «كيوتو» عام 2001، أكبر دولة من حيث حجم الغازات المنبعثة والتي تتسبّب بها محطات الطاقة ومصانع والسيارات. وفي المرتبة الثانية تأتي الصين والسعودية. وظلّت المراتب الثلاث الأولى لأفضل الدول عناية بالبيئة شاغرة، رغم أن كلاً من السويد وبريطانيا والدنمارك تأتي في مقدّمة الدول التي عملت الكثير من أجل المناخ والبيئة، إلا أنها «لم تتخذ الإجراءات الكافية لخفض الانبعاث الحراري»، كما تقول مجموعة البيئة الألمانية.


    اتفاقية «كيوتو»
    تعدّ عملية التوقيع النهائي لاتفاقية «كيوتو» الخطوة الأساسية الجدية باتجاه مواجهة تحديات الفناء على كوكب الأرض. جرى توقيع هذه الاتفاقية في مدينتَي بون (ألمانيا) ومراكش (المغرب) في مطلع القرن الحالي (2001)، إلا أنها شهدت ولادة عسيرة جداً ومتأخرة جداً، والأخطر من ذلك، أنها شهدت فرار بعض الدول الصناعية الرئيسية من واجبات تنفيذ بنودها، فخلت بالتالي من توقيع الصين والولايات المتحدة.
    عاشت اتفاقية «كيوتو» قبل ولادتها سلسلة من المتاعب، شبيهة بتلك المتاعب التي تعيشها الدورات والقمم الدولية الحالية حول البيئة والمناخ. حجر الأساس وضع في «قمة الأرض» التي عُقدت في مدينة ريو دي جانيرو في البرازيل عام 1992، حيث أجمع المؤتمرون، للمرة الأولى، على ضرورة الحدّ من انبعاث الغازات الضارة وضرورة التكيف بشكل طبيعي مع المتغيّرات التي تطرأ على المناخ وتضمن بالتالي عدم تعرض إنتاج الأغذية للخطر.
    بعد خمس سنوات جديدة، وفي قارة جديدة، التقى المؤتمرون في مدينة «كيوتو» اليابانية عام 1997، حيث جرى تأكيد الاتفاق، الذي جرى التوصل إليه في قمة الأرض في البرازيل، وجرى أيضا تأكيد ضرورة خفض انبعاث الغازات الضارة بالبيئة، بنسبة خمسة في المئة مقارنةً بمستويات عام 1990، على أن يتمّ هذا الإجراء في الفترة التي تقع ما بين عامي 2008 و2012. ويُلزم بروتوكول كيوتو 35 دولة نامية خفض نسب الانبعاث للغازات السامة.



    العطش في دول المتوسط
    الدول المطلّة على البحر الأبيض المتوسط، تدفع بدورها فاتورة التسمّم، وتشهد تحوّلات مناخية حادة تنذر بالكوارث، بينها زحف الجفاف في شمال أفريقيا باتجاه جنوب أوروبا.
    وتبدأ مظاهر الكوارث الطبيعية بالارتفاع الحاد في درجات الحرارة.
    عاشت الكثير من المناطق المطلة على المتوسط، ومنها البرتغال وإسبانيا، في السنوات الماضية، موجات حرّ مصحوبة بالجفاف. ففي الوقت الذي يعزو فيه كثير من الباحثين تلك الظواهر الطبيعية إلى الانعكاسات السلبية الناجمة عن التحولات المناخية على ضوء ارتفاع نسب التلوّث وانبعاثات الغازات السامة في الغلاف الجوي، يقلّل البعض الآخر من تلك التكهنات. وتعيد بعض الدراسات العلمية الصادرة عن معهد «بوتسدام» في ألمانيا، أسباب الكوارث الطبيعية في الدول المطلة على المتوسط إلى ارتفاع نسبة الغازات السامة في الغلاف الجوي الذي يسبّب ارتفاعاً ملحوظاً في درجة الحرارة فوق سطح اليابسة أكثر من فوق سطح البحر، وهذا ما يسبّب حدوث تقلبات مناخية مُفاجئة.
    وفي غياب رؤية واضحة بخصوص التقلبات البيئية، تتوقّع الدراسات العلمية حدوث تراجع في نسبة سقوط الأمطار وعدم انتظامها خلال فصل الصيف وخلال منتصف السنة فوق المنطقة الجنوبية لجبال الألب وفي مناطق البحر الأبيض المتوسط. هذا الأمر سيؤدي بالضرورة إلى وقوع مخاطر مُحتملة قد تُحدق بالبيئة والإنسان على حد سواء، وخصوصاً أن المناطق الأوروبية الجنوبية تعاني أصلاً قلة الموارد المائية، وسيؤدّي بالتالي إلى وقوع كارثة تتعلّق بندرة المياه الصالحة للشرب.